الاتحاد المغاربي في عشرينيته

TT

من المفروض أن يمثل مرور عشرين سنة على حدث تأسيس اتحاد المغرب العربي، الذي أعلن عنه من مدينة مراكش المغربية في تاريخ 17 فيفري 1989، مناسبة استثنائية للاحتفال ولتأمل المنجز والحصاد طيلة عقدين كاملين من الزمن.ولكن يبدو أن قدر الاتحاد المغاربي أن يبقى حبرا على ورق وحلما معلقا وأن يعيش الجمود قبل أن يشهد النبض والحياة التي رُسمت له عند إعلان قيامه، كمشروع بُعث لتفعيل الاقتصاديات المغاربية ودفع مسيرة التنمية وصنع تكتل مغاربي قادر على مواجهة التكتلات الأخرى وإشباع توقعات الشعوب المغاربية .

لا شيء من الوعود التي تعهد بها القادة المغاربة قد تحقق، مما جعل بعض المراقبين يصفون الاتحاد بالحي الميت وبأنه على كف عفريت، إلى جانب من أعلن خبر وفاته، وهي مقاربات رغم سوداويتها، فإنها تستند إلى معطيات قوية وحجج مقنعة، وأهمها أن مجلس رئاسة الاتحاد لم ينعقد منذ 1994، مع العلم أن هذا المجلس وحده يمتلك سلطة القرار. وبسبب تعذر تحديد موعد لعقد القمة المؤجلة إلى أجل غير مسمى، فإن الاتحاد ظل في حالة تعطيل بالمعنى السياسي. وبلغة الأرقام القوية الدلالات، نجد أن عدد الاتفاقيات الموقعة بلغ 27 اتفاقية وأن عدد الاتفاقيات التي دخلت حيز التنفيذ على امتداد عقدين بالتمام والكمال، لا يتجاوز الست، نذكر منها اتفاقية إنشاء المصرف المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية بين دول المغرب العربي، واتفاقية خاصة بتبادل المنتجات بين دول اتحاد المغرب العربي.

ومع الأسف نلاحظ أن عراقيل تفعيل الاتحاد المغاربي في تزايد وتراكم، وهو أمر متوقع، لأن عدم انعقاد قمة مغاربية منذ 1994 يعني إضاعة عدة فرص لمناقشة القضايا والمشاكل العالقة ومعالجتها.

طبعا كما هو معروف، فإن الخلاف الجزائري المغربي حول قضية الصحراء الغربية، يُعد السبب الرئيسي لتعطل الاتحاد والمانع الأول لعقد قمة خماسية مغاربية، تضم قادة المغرب العربي الكبير إذ إنه كلّما ظهرت بارقة أمل للتخفيف من حدة الخلاف المغربي الجزائري، عادت الأمور إلى سابق تعكرها. وإلى جانب هذه الشوكة المستبدة منذ سنوات بحلق الاتحاد المغاربي، فإن مساحات الاختلاف في توسع والتراشق المباشر وغيره على أشده وآخر ذلك تصريح المغرب بأن الجزائر تعرقل مسيرة الاتحاد، فالجزائر تساند بشكل حاسم ما تعتبره حق الصحراويين في تقرير مصيرهم، في حين أن المغرب الشديد الحساسية من هذه القضية يرفض هذا الموقف وغير قابل بالمرة لسيناريو تقرير المصير، طارحا مشروع حكم ذاتي موسع وذلك كأعلى سقف ممكن بالنسبة إليه.

واللافت للانتباه، أنه رغم أن مسألة النزاع الصحراوي هي حاليا من مشمولات أروقة الأمم المتحدة، فإن ظلالها وتفاصيلها ظلت مهيمنة على العلاقات الجزائرية المغربية وتحكمت في طبيعتها وتسببت في خلق توتر ما أن يهدأ حتى يستعيد حرارته.

وفي العام المنقضي شهدنا تباينات جديدة زادت في تعميق انتكاسة الوحدة المغاربية وتمديد أجلها، ونقصد بذلك التصريحات الليبية المحبطة، حيث ذكر الزعيم الليبي معمر القذافي قبل حوالي السبعة أشهر لدى افتتاح أعمال الدورة العاشرة لمجلس رئاسة تجمع دول الساحل والصحراء، بأن الاتحاد غير موجود وأنه صفر وأكذوبة، علما بأن ليبيا هي التي ترأس الاتحاد حاليا. وفي مقابل اليأس الليبي تجاه مستقبل الاتحاد فإنها – أي ليبيا - قد تم اختيارها لرئاسة الاتحاد الأفريقي لمدة عام، ذلك أن الزعيم القذافي سعى خلال السنوات الأخيرة إلى التركيز حول حلم تحقيق الولايات المتحدة الأفريقية. بل ان القطر الليبي قد ساهم بتحركاته في جعل منظمة الوحدة الأفريقية إلى الاتحاد الأفريقي.

ومن مظاهر التباين التي عشناها خلال 2008 ما تعلق بالموقف من مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، الذي أعلن عنه وبشر به الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، حيث رفضت ليبيا المشاركة وعبرت الجزائر عن مجموعة من التحفظات والشروط في حين لقي مشروع ساركوزي الترحاب من ثلاث دول مغاربية هي تونس والمغرب وموريتانيا. وتكشف كل هذه التباينات والخلافات مجتمعة عن الواقع المرير لمشروع الاتحاد.

ولعل ما يحبط النخب المغاربية وشعوبها هو الاستخفاف بمشروع الاتحاد وعدم التعاطي معه بوصفه أولوية مغاربية قصوى، والحال أن مشاكل البلدان المغاربية الاقتصادية والتنموية وأرقام البطالة المفجعة وظاهرة الهجرة السرية وتلذذ الحيتان بأجساد الشبان المغاربة.

[email protected]