مع الأسف

TT

قرأت كلاما جامعا مانعا، كان لوقعه في نفسي أثر كبير. صحيح أن ذلك الكلام كان موجعا وصادما، ولكن ذلك الوجع وتلك الصدمة لازمة بل وأكثر من لازمة، إذ إنها كانت تقول الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة، فقد مضى علينا زمن طويل وطويل جدا ونحن نخدع ونسوف على أنفسنا، محاولين سد عين الشمس بغربال، ولكن ما هكذا تواجه الأمم حياتها ومصائرها وتحدياتها.

وقبل أن أسترسل فيما (يحمد عقباه) إن شاء الله، دعونا نقرأ ما يقوله بشجاعة فضيلة الشيخ الدكتور عائض القرني عن حال المسلمين، يقول «لقد زرت أكثر من ثلاثين دولة فوجدت أن المسلمين نقلوا خلافهم المذهبي والطائفي والفكري إلى بلاد الغرب والشرق، فالمساجد والمراكز الإسلامية موزعة بين المذاهب والجماعات والطوائف والحركات الإسلامية، وبلغ من سخف بعضهم وحمقه وطيشه وتهوره، أنه استخدم المنبر والمحراب في التشنيع والتحذير من إخوانه المسلمين من الطوائف والمذاهب والجماعات الأخرى التي لا توافق رأيه، فصرنا ضحكة بين الأمم ونكتة بين الشعوب تلوكنا الألسن ويسخر منا الآخرون، وبدلا من أن ننشر رسالتنا الربانية العالمية الخالدة، أصبحنا ننشر غسيلنا ومآسينا ومصائبنا وبغضاءنا بين الأمم، فانشغلنا عن نشر الإسلام بمحاربة أهل الإسلام، وتركنا الوحدة الإسلامية إلى الدعوة الحزبية الطائفية المقيتة الضيقة».

انتهى كلام الشيخ عائض الذي يشفي الغليل وينكأ الجراح في نفس الوقت.

وإنني بدوري أشكره على تجشمه لهذا المنعرج الصعب، ومحاولته العقلانية بتعليق الجرس في رقبة القط، وهذا ما حاولناه وقلناه دائما، واتهمنا بالسفه والتمرد بل والانحلال، وكأن من يقول لأصحاب الرقاب الغليظة والأصوات الجهورية والعقول الضيقة: على رسلكم وتذكروا المثل الشعبي القائل (يا مدبّر العربان دبّر قومك)، كأن من يقول لهم ذلك قد خرج عن الملة والعياذ بالله.

ونحن لم نكن ضحكة بين الأمم من اليوم يا دكتور عائض، فقد قالها شاعرك المفضل المتنبئ قبل (ألف عام)، ولكن لا حياة لمن تنادي.

هل حقا أننا أصبحنا كالمحامي الفاشل الذي يدافع عن قضية عادلة، مثلما تقول؟!

أعتقد ذلك، ولكن كيف لأربعة عشر قرنا كاملة، وهي تجلدنا على ظهورنا وبطوننا أجيالا إثر أجيال، كيف للمحاريب التي يتلى فيها ليل نهار أطهر كلام أنزل من السماء، كيف للمنابر، للصوامع، للمنائر، للمدارس، للحلقات، للكتب، للخطب، للمواعظ، للتهجد، للقنوت، كيف أن هذا كله لم يرقق طباعنا الإنسانية، ويضخ في دمائنا السماحة والتسامح لا مع غيرنا فذلك بعيد على (شواربنا)، ولكن السماحة والتسامح بيننا على الأقل؟! كيف أصبحنا نتخبط يود أحدنا أن يأكل لحم أخيه ميتا لو يستطيع؟!

وإنني أسألك أيها الشيخ الجليل وأنت أهل لها وأقول: كم عدد المسلمين عبر تاريخهم الذين قتلوا وظلموا وانتهكوا بيد إخوانهم المسلمين؟! هل هم أكثر أو أقل ممن فعل بهم ذلك من غير المسلمين؟!

انظر وتجول بعينيك على خريطة العالم، وشاهد الشعوب الأخرى كيف تعمل، ثم احترق كمدا وأنت تشاهد الشعوب الإسلامية تعيش ببؤس، وفوق ذلك كله لا تزال تتشاتم وتتلاسن عبر أكبر مشايخها ومرجعياتها.

إذن ماذا نتوقع؟!

الذي نتوقعه يا شيخ هو ما لا يحمد عقباه.. مع الأسف.

[email protected]