ييغر في المكتبة

TT

دخلت إلى مكتبة «غالياني» في باريس وكانت مزدحمة كالمعتاد. ولا أدري لماذا يتحول دخول المكتبات التاريخية الى نوع من الطقوس. وقد فقدت أميركا مؤخرا أحد أجمل وأطيب أدبائها، جون ابدايك، الذي كتب مرة عن بورخيس، الذي أمضى عمره أمينا على المكتبة الوطنية في بيونس أيرس، إن «كل العالم خارج المكتبة كان بالنسبة إليه فراغا لا يطاق».

تشبه «غالياني»، برفوفها، المكتبات التي يحلم المرء ان تكون في بيته. رفوف مختارة ورصينة من الكتب التي تستحق القراءة. وأول من طالعني بين الرفوف هذه المرة، المستر مايك ييغر، مغنى «الرولنغ ستونز» الشهير. وبسبب الألفة التي يبسطها مناخ المكتبة، ظن انه يعرفني من مكان ما، فسبق الى التحية بدل أن أسبقه كما هو مفترض في صفة جمعت بين مشهور ومغمور.

ثم انصرف كل منا الى رفوفه.. ولو تحدثنا لقلت له، انني أحمل في نفسي مرارة شديدة منه. فهو الرجل الذي خرجت معه مارغريت ترودو، دائسة على كرامة زوجها، بيار ترودو، أهم كندي في التاريخ الحديث. وبعد تلك السهرة المجنونة التي جمعت امرأة مملة ومغنيا شهيرا، تهدم بيت ترودو، وتهدم كل شيء من صورة العائلة الكندية، وطلقت مارغريت لتتزوج من تاجر عقارات، يشبه أصحاب الادوار الغبية في السينما.

وأما المستر ييغر فمضى يعيش حياته حول العالم. من امرأة الى امرأة. وينشر كتاب فرنسي حديث نص محادثة اللقاء الاول بين الرئيس نيكولا ساركوزي وبين المرأة التي أصبحت سيدة فرنسا الأولى، المدام كارلا بروني. وفي تلك السهرة يقول رئيس الجمهورية الفرنسية للعارضة والمغنية الإيطالية: إنك تعتقدين ان مايك ييغر هو اهم الرجال. لا. سوف أثبت لك أنني أهم منه بكثير!

بقية القصة معروفة. الغرام الجارف والزواج الخاطف. ولكن ها أنا في مكتبة «غالياني» وإلى جانبي هذا الرجل العادي، النحيل مثل قصبة، ليس لديه مكان يذهب اليه بعد ظهر الأحد، فيأتي إلى القسم الانكليزي في «غالياني»، يبدد ملل عطلة الاسبوع. ولكن ماذا يفعل بقية الايام؟ هذا الرجل البارد، الشديد النحول، الذي يرتدي طقما فستقي اللون، هو الذي خرب بيت بيار إليوت ترودو ذات يوم. وهو الذي يفاخر سيد الإليزيه الجديد بأنه أكثر أهمية منه. وفي أي حال رددت التحية للمستر ييغر وذهبت الى رفوفي في المكتبة، لا شك أنها مختلفة.