روسيا بوتين

TT

العام 2006 قتلت الصحافية الروسية آنا بوليتوسفاكايا على باب المصعد أمام شقتها. وبسبب كتاباتها الجريئة عن دور الجيش الروسي في فظائع الشيشان، حامت الشبهات حول الدولة، أو الجيش، أو الاثنين. وفي الشهر الماضي برأت إحدى محاكم موسكو المتهمين، فيما استأنف ذووها الحكم.

من قرأ كتاب «روسيا بوتين»، الذي طبع في الخارج ومنع في روسيا، يدرك أن قاتل آنا لن يعثر عليه أحد. إنه عبارة عن تحقيق طويل في كيفية معاملة الضباط للجنود: يتخلون عنهم في أرض المعارك جثثاً لا يسأل عنها أحد، ويجردونهم بعد الوفاة من حقوقهم، ويتجاهلون كل طلب تتقدم به الأمهات لاستعادة رفات أبنائهن، أو شيئاً منها.

«الجيش في بلادي نظام مغلق لا يختلف عن السجن» كتبت آنا «وكما في أي بلد آخر لا تدخل الناس إلى الجيش أو إلى السجن، إلا إذا كانت السلطات تريدهم هناك. ولا سلطة للهيئات المدنية على الجيش. والجندي النفر القادم من طبقة متواضعة، هو لا شيء ولا أحد. وخلف جدران الثكنات يستطيع الضباط إساءة معاملة الأفراد إلى أي مدى دون أن يحاسبهم أحد على ذلك».

يقف حكام روسيا إلى جانب الجيش. قبل بوتين ومعه. لا يريدون إثارة المشاكل، ولا أن تقف القوات المسلحة ضدهم: «المحاولة الوحيدة لأنسنة الجيش جرت أيام بوريس يلتسن الذي أراد نشر الحرية. لكن البرنامج لم يطل كثيراً. ففي روسيا البقاء في السلطة أهم بكثير من إنقاذ أرواح الجنود. وعندما هب الجنرالات في وجهه غاضبين رفع يلتسن العلم الأبيض واستسلم». بوتين لم يبذل حتى محاولة شكلية. فقد كان أول ما فعله الضابط السابق لدى وصوله إلى الحكم، أن تحدث عن إعادة الاعتبار إلى الجيش في الشيشان. وهكذا أطلق يد العسكر في التدمير العام 1999، وعندما حان موعد الانتخابات العام 2000، اقترع الجيش برمته إلى جانبه: «لقد تحولت حرب الشيشان إلى فرصة نادرة أمام الجنرالات، يحصدون الأوسمة والرتب، ومن هناك يخرجون إلى العمل السياسي».

كل أسبوع يفر المجندون من الجيش بالمئات: «وفي العام 2002 قتلت كتيبة كاملة، أي أكثر من 500 رجل، ليس بنيران العدو، بل ضرباً بالعصي. وبعدها سرق الضباط كل ما كان الجنود يحملون معهم».