نجم جديد يسطع في سماء شيكاغو

TT

في مارس (آذار) 2004، قبل أيام قلائل من إجراء الانتخابات التمهيدية للفوز بمقاعد مجلس الشيوخ، بين أعضاء الحزب الديمقراطي بولاية إلينوي، كتبت مقالا في هذه الصفحة تحت عنوان «أمل مشرق في إلينوي». وأعتقد أن هذا كان أول مقال تنشره صحيفة يومية خارج إلينوي، يتناول سطوع نجم شاب يدعى باراك أوباما. وبناء على نتائج الانتخابات التي أظهرت احتلال أوباما بوضوح مقدمة السباق الانتخابي، أعلنت بلا تردد توقعي بأن يصبح أوباما السيناتور القادم عن إلينوي، واستشهدت بوجهة نظر جان شاكوسكي، العضو الديمقراطي بالكونغرس عن ضاحية غولد كوست في شيكاغو، التي قالت إن أوباما «سيمضي قدما على الصعيد الوطني والساحة الدولية».

حسنا! أشعر اليوم بالشجاعة لتمتعي بمكانة مكتشف الملوك داخل إلينوي بلا منازع، ما دفعني للكتابة مجددا اليوم عن عضو ديمقراطي آخر بالولاية ذاتها، وهو مرشح في الانتخابات التمهيدية الخاصة المقرر إجراؤها اليوم (الثلاثاء) داخل ضاحية يهيمن عليها أنصار الحزب الديمقراطي في نورث سايد بكاليفورنيا، وهي الضاحية التي تولى تمثيلها حتى وقت قريب رام إيمانويل. والملاحظ وجود الكثير من العناصر المشتركة بين هذا المرشح وأوباما، حيث تخرج كلاهما في كلية الحقوق بجامعة هارفارد. واضطلع كلاهما بتأليف كتب مشهورة، علاوة على أن كليهما عمل لصالح عمال الصلب ممن فقدوا وظائفهم. وقد قام أوباما بذلك من خلال عمله بمجال التنظيم الاجتماعي، أما هذا المرشح فمن خلال عمله كمحام تمكن من الفوز لصالح 2.500 من هؤلاء العمال بمعاشهم، بعد رفض الجهات التي كانوا يعملون لديها منحهم معاشهم. علاوة على ذلك، يحمل كل من أوباما وهذا المرشح أسماء تحمل ضمنيا إشكالات سياسية.

في الواقع، لا تربط بين توم جوجهيغان ورونالد ريغان سوى القليل من التشابهات، ومع ذلك يشبه الاسم الأخير للأول اسم الرئيس الأسبق إلى حد كبير. يعد جوجهيغان أحد المثقفين الليبراليين ممن يتشبثون بآرائهم ويتسمون بطابع ساخر. وقد أبدى طوال حياته اهتماما خاصا بالعمال الأميركيين. وجاء الظهور الأول لجوجهيغان على الساحة الأدبية والسياسية من خلال قصيدة غنائية رائعة، وإن كانت تنطوي على بعض الجنون، أهداها إلى شيكاغو - التي ظهرت بمجلة نيو رببليك في الثمانينات، ثم في كتابه الذي أصدره عام 1991 بعنوان «إلى أي جانب أنت؟ محاولة الوقوف إلى صف العمال أثناء عجزهم». وترشح هذا الكتاب لنيل جائزة مؤسسة ناشيونال بوك كريتيكس سيركل (دائرة نقاد الكتاب الوطني). ومنذ ذلك الحين، ألف جوجهيغان أربعة كتب أخرى يتناول بعضها حالة الفوضى التي تعصف بالنظام القانوني الأميركي. بمرور الوقت، تحول جوجهيغان إلى المحامي الذي يلجأ إليه أبناء شيكاغو ممن فقدوا وظائفهم بسبب التمييز، أو حرموا من أموال يستحقونها. والآن، أصبح جوجهيغان مرشحا للكونغرس يدعم نظام الرعاية الصحية الشامل، وتوسيع نطاق مظلة الأمن الاجتماعي لتعويض الأموال التي تم خصمها من المعاشات الخاصة، وتوجيه استثمارات حكومية لإعادة بناء قطاع التصنيع الخارجي.

أعترف أنني صديق لجوجهيغان وخبير بما يقوم به، وهو ميزة اكتسبتها عندما كنت أحرر على مدى عام المقالات التي كان يكتبها لمجلة «أميركان بروسبكت». المقال النموذجي لدى جوجهيغان يجمع بين إحساس بالغضب يحتاج إليه كافة كاتبي المقالات مع معرفة تاريخية واسعة، وبين إحساس من نوع خاص بالحياة كما هي على أرض الواقع لدى شخص يعيش في شيكاغو. تناول أحد هذه المقالات قضية النقل العام، مقتبسا مشاهد لجوجهيغان وهو محشور في المرور في الطريق إلى أوهير، كما تطرق إلى سعي هنري كلاي لإجراء تحسينات داخلية (طرق وقنوات مائية)، وناقش كيف أن الوصول من دبلن إلى مدريد أسهل بالمقارنة بالذهاب من شيكاغو إلى ديترويت. وفي مقال آخر كتبه قبل انهيار وول ستريت، أبدى جوجهيغان شعورا بالأسى على النسبة المرتفعة من خريجي كليات النخبة الذين دفعوا بأنفسهم في عالم التمويل ووصف سياسة إنقاذ البنوك التي اتبعتها إدارة بوش بأنها «العقد الاجتماعي الجديد: على الأقل، في تريبكا لن يخسر أي طفل العقار الأول (أو الثاني) الخاص به أو (بها)». وفي مرة أخرى، تساءل جوجهيغان «لماذا، في حزب وليام جينينغز براين، لا يوجد من يطلب قيدا على زيادة معدل الفائدة على كروت الفيزا أو كروت ماستر كارد؟»، مشيرا أيضا إلى أنه في شيكاغو «تكون هناك رسوم على مقرضي يوم دفع الرواتب أكثر مما يحتاجه الناس للحصول على القروض التي عليها فوائد ربوية». خلال الأعمال المجمعة لتوم جوجهيغان، نجد قيمة الأفكار الاجتماعية والاقتصادية والممارسات تحددها الطريقة التي تطبق بها. حسب الإحصاء الفعلي، هناك الكثير والكثير من المرشحين لمقعد إيمانويل القديم يوم الثلاثاء، ومن بينهم عدد من السياسيين الليبراليين التقليديين، البعض منهم سوف يكونون أعضاء جيدين في الكونغرس. ولكن، الكونغرس لا يعوزه السياسيون الليبراليون التقليديون أو المحافظون التقليديون.

أنا لا أتنبأ بأن جوجهيغان سوف يحظى بظهور كبير على صعيد الشؤون السياسية مثلما حدث مع من تنبأت به من قبل في شيكاغو. ولا أتنبأ بأنه سوف يفوز. ولكن في الوقت الذي تخوض فيه البلاد غمار أول أزمة اقتصادية حقيقية منذ فترة الكساد الكبير، يبدو بالنسبة لي أن ما يحتاجه الكونغرس هو شخص يمكنه المقارنة عن وعي بين برامج العمل العام وما كان يحدث تحت إدارة جفرسون، ويمكنه أن يشم رائحة برنامج إغاثة المصرفيين من على بعد ميل.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»