الحديث إلى إيران يتطلب إنهاء الصمت

TT

تميز موقف الرئيس أوباما بالوضوح حيال ضرورة أن تتحدث الولايات المتحدة إلى إيران. وعلى الجانب الآخر، أبدى النظام الإيراني في عدد من المناسبات استعداده للدخول في محادثات مع واشنطن، رغم أنه غالباً ما أرفق بعروضه تلك تصريحات تفتقر إلى الكياسة، أو شروطاً تقيد المحادثات. وتشير التقارير إلى نقاش يدور بين أعضاء فريق العمل المعاون لأوباما حول ما إذا كان ينبغي الانتظار عما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة في يونيو (حزيران) قبل الشروع في هذا الحوار، من أجل تجنب تعزيز موقف الرئيس محمود أحمدي نجاد الانتخابي، وعلى أمل أن تثمر الانتخابات فوز محمد خاتمي، الرئيس السابق الأكثر اعتدالا الذي أعلن أخيراً ترشحه للرئاسة مجدداً. لكن هناك من يعارضون بشدة هذا النهج على أساس أن البرنامج النووي الإيراني لا يزال مستمراً. وإذا كان الدافع الأكبر الآن فيما يخص التعامل مع إيران هو الحيلولة دون بنائها قنبلة نووية، فإن عامل الوقت يمثل أهمية كبيرة. وربما يكون السبيل الأبسط - والأسرع بالتأكيد - للدخول في حوار مع إيران، وأقل السبل احتمالا لأن يؤتي بنتائج غير مرغوبة في الانتخابات القادمة، هو إنهاء حالة الامتناع عن الحديث إلى طهران، فعلى امتداد ما يقرب من 30 عاماً، تم فرض قيود على الدبلوماسيين الأميركيين فيما يتعلق بمتى وأين يمكنهم الحديث إلى نظرائهم الإيرانيين. وبمقدور الرئيس منح وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، سلطة رفع هذا الحظر. إن الأمر غاية في البساطة، فبغض النظر عما إذا كان الدبلوماسي المعني هو السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، سوزان رايس، أو المبعوث الخاص، ريتشارد هولبروك، خلال زيارة له إلى كابل أو إسلام أباد، أو المساعد السابق لوزير الخارجية، كريستوفر هيل بعدما يتجه إلى بغداد كي يحل محل السفير ريان كروكر، أو أي دبلوماسي أميركي آخر، فإنهم سيشعرون جميعاً بحرية في الحديث إلى الإيرانيين مثلما يفعلون مع ممثلي الدول الأخرى التي يخيم التوتر على علاقاتها مع الولايات المتحدة.

في إطار هذا السيناريو، سيعمل كل مسؤول أميركي في إطار التعليمات الصادرة إليه والمسؤوليات التي يتحملها، وكذلك الحال مع الإيرانيين الذين سيجري الحديث إليهم. إن هذا السيناريو لا يعد صيغة للتفاوض حول «صفقة كبرى» تتناول كل القضايا الخلافية بين الجانبين أو تلبية كل احتياجاتهما، ذلك أن الاتصالات المتسمة بمثل هذه الطبيعة المحدودة من غير المحتمل أن تحقق انفراجات كبرى على المدى القصير. في نهاية الأمر، إذا ما كانت هناك رغبة لإحراز تقدم حقيقي، فإن ذلك يتطلب من كلا الجانبين بناء قناة اتصال سرية ذات امتيازات خاصة يمكن من خلالها وضع جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك على طاولة الحوار. وسيصبح من الأسهل بكثير إقامة، والإبقاء على، هذه القناة حال إقرار مبدأ الاتصالات المباشرة وممارسة الاتصالات الروتينية بين الجانبين.

ومن شأن السماح بعقد مناقشات بين المسؤولين الأميركيين والإيرانيين في إطار صور متنوعة تمهيد الطريق نحو الدخول في نهاية الأمر في اتصالات شاملة رفيعة المستوى ذات أهمية أكبر. ومن شأن مثل هذا النمط من الاتصالات الرسمية تمكين كلا الجانبين من التعرف بدقة أكبر على نوايا الجانب الآخر الحقيقية ومصالحه والقضايا التي ربما يبدي بشأنها قدراً أكبر من المرونة. علاوة على ذلك، فإن مثل هذه الاتصالات ستيسر التعاون العملي فيما يخص مجالات محددة ذات اهتمام مشترك، حتى مع استمرار نقاط الخلاف الرئيسة قائمة، وإن كان من غير المحتمل أن يبدي أي من الجانبين استعداده لقطع شوط طويل في هذا الاتجاه.

وسيكون من الأسهل إقامة والحفاظ على قناة اتصال خلفية وسرية بين واشنطن وطهران حال توافر عدد من قنوات الاتصال الأمامية المعلنة والتوقف عن خلق المناسبات التي تستدعي إصدار تعليقات. في الواقع، لا يمكن لأي مفاوضات إثمار نتائج إيجابية إذا ما شعر الجانبان بالاضطرار إلى عقد مؤتمر صحافي بعد كل مرة يلتقيان فيها، مثلما جرت العادة خلال المناسبات القليلة نسبياً التي جمعت بين ممثلين أميركيين وإيرانيين خلال السنوات الأخيرة. وربما يكون من المستحيل عقد أي حوار حقيقي إذا ما تحتم على أي جانب تقديم تنازلات كي يبدأ الحوار.

وربما يأتي الوقت الذي يشهد تبادل مراسلات على مستوى الرؤساء، بل وعقد لقاءات وجهاً لوجه، لكن ليست هذه النقطة التي ينبغي البدء منها. مما سبق يتضح أن كسر القيود المفروضة على الاتصالات الدبلوماسية الروتينية بين المسؤولين الذين يتحدثون على أساس السياسات القائمة بالفعل يعد السبيل الأيسر والأقل خطورة للانتقال من مرحلة عدم الحديث إلى طهران إلى الحديث معها. كما أن هذا التحرك يحمل معه إمكانية بدء الحوار الآن، مع إرجاء المبادرات الأكثر جذباً للأضواء والمنطوية على مخاطر أكبر إلى ما بعد الانتخابات الإيرانية.

* المبعوث الخاص الأول لدى إدارة بوش لأفغانستان.. وخلال توليه هذا المنصب تعاون معه مسؤولون إيرانيون في أواخر عام 2001 للمساعدة في تشكيل نظام يخلف طالبان في كابل.. ويتولى حالياً إدارة مركز سياسات الأمن والدفاع الدولي التابع لمؤسسة راند الأميركية

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»