أصوات الخرطوم

TT

أصغينا - جميعا - خلال اليومين الماضيين إلى كل كلمة خرجت من السودان. ولا أعتقد أن السودان عرف اهتماماً عربياً وعطفاً عربياً كالذي يعرفه الآن. أقصد السودان، وليس النظام، لأن النظام شهد خلال سنواته الطويلة أزمات كثيرة، مرة اسمها حلايب، ومرة عنوانها مؤامرة معلنة لاغتيال حسني مبارك، ومرة عنوانها أسامة بن لادن، ومرة كارلوس. أما في الداخل فلم يترك النظام شخصية سودانية تاريخية واحدة، لم يلق بها في السجن أو في المنفى.

أما السودان نفسه، فهو هم العرب جميعاً، بكل صدق وبكل محبة. لا أحد يريده أن يعاني ما عاناه العراق مع «العدالة الدولية». ولا أحد يريده أن يعاني ما عانته ليبيا مع الحصار ومجلس الأمن. وكل عربي يعرف بالتجارب التي عشناها جميعاً أنه عندما يصدر قرار دولي فلا شيء يرده إلا إذا كان يعني إسرائيل أو أميركا. لا التظاهرات تنفع، ولا العصي المفضضة تنفع، ولا البرقيات الآتية من المحافظات تنفع، ولا البرقيات التي لا يتغير نصها تنفع. فالمسألة ليست بين الحكومة ومحافظي الولايات، ولم تعد منذ أمس بين النظام وأهل دارفور، إنها بين النظام والأسرة الدولية، وهذه أكثر عناداً وفظاظة من أي نظام أفريقي.

بين الأصوات التي سمعناها في الخرطوم أصوات بعض دبلوماسيي الخارجية السودانية. بكل هدوء، قال أصحابها، نحن مع الاتفاقات الدولية ونحترم معاهداتنا مع الأمم المتحدة، ونحن عضو عامل فيها، لكننا نرفض مذكرة التوقيف في حق رئيس الدولة. إذن، تعالوا نبحث عن حل.

الحل ليس في رفع العصي التي خفف حجمها لأن شكلها في الأيام الأخيرة. ولا في دعوة المحكمة الدولية إلى غلي المذكرة وشرب مائها. وإنما الحل هو في البحث عن حل دبلوماسي سياسي لأزمة أفريقية كبرى سقط فيها نحو 250 ألف قتيل، وشرد نحو 3 ملايين في صراع بين الحكومة وشعبها وأهلها ورعاياها.

طالما هدد البشير بقطع أيدي الأمم المتحدة وأرجلها. ثم استقبلها. والقول إن هناك مؤامرة أميركية وتدخلا إسرائيليا ودسا إريتريا وخبثا تشاديا، ودورا لـ«السي. آي. إيه، ودورا للمخابرات الفرنسية، وكل ذلك لا يغير شيئا في أن ثمة مأساة بشرية هائلة الحجم وقعت في دارفور. وهذه لا يحلها مصنع الكهرباء الذي دشن في السلطنة يوم صدور مذكرة التوقيف. هذه تحل بتفاهم دولي عاقل، تقوده الدول التي حاولت الخرطوم قلبها ذات يوم. واللهم لا شماتة.