برقية إلى الهر هوفمان

TT

في مثل هذا اليوم قبل مائة عام على وجه الضبط، أسس رجل ألماني يدعى فيلكس هوفمان، لصناعة رفع الألم عن هذا الكائن الهزيل، الذي يرسل «الروبوتات» إلى المريخ، ويملأ مدار الأرض أجراما عجيبة، ولا يزال يصاب بالبرد إذا خرج إلى سيارته. هناك اختراعات مهمة، وهناك اختراعات شديدة الأهمية، لكن الهر هوفمان أعطانا «أجمل» الاختراعات وأكثرها بساطة. وجعل للاختراع اسما علميا طويلا يصعب لفظه، لكن من أجل أن يسهل الأمر عليك وعلي، قال لنا تذهبون إلى الصيدلية وتطلبون علبة «أسبرين».

حبة منها ويزول الصداع. وبعد مائة عام اكتشفت لاختراع الهر هوفمان فوائد تفوق فوائد السفر، فهو مضاد لعلل كثيرة ومحصن لمناعات كثيرة، لكنني لا أزال أعتقد أن أهم ما فيه أنه ألغى الصداع عن وجه الأرض. حبة واحدة ودقيقة واحدة ويختفي ألم «الشقيقة». فقد كنا نعتقد أن وجع الرأس سببه وجود شقيقة لنا تسكن معنا في رأسنا. وعندما تريد الانفلات تتسبب لنا بآلام لا تطاق. وطوال آلاف السنين عانى الإنسان من حركة الشقيقة الخفية، إلى أن سجل الهر هوفمان براءة اختراعه، وأعطاه إلى شركة «باير». وأطلق منذ ذلك الوقت صناعة صيدلية لا حدود لها.

ما هذا الاختراع المؤنس يا سعادة الهر هوفمان. عجيب أمركم، معشر الألمان. واحد يخترع الأسبرين وواحد يخترع القنبلة الذرية. واحد يمنح الإنسانية السمفونية السابعة و«من أجل اليزا»، وواحد يدير عليها كل جنونه وكل عبقرية الصناعات الألمانية. واحد غوته وواحد ريلكه وواحد «فوهرر»: «قائد» يقود الألمان على الروسيا، يزحف بهم على بولندا، يرسلهم يقتلون ملايين الفرنسيين، ويحتلون مدنهم ويغتصبون نساءهم ويرمون رجالهم في معسكرات الاعتقال.

هل يعقل أن يكون الهر هوفمان والهر هتلر مواطني دولة واحدة ولغة واحدة؟ يبدو أنه أجل يعقل. فالعقل ليس حالة واحدة بين الناس، ولا هو حالة سائدة في أي حال. لكن فيما يزحف على البشرية رجال مثل هتلر وموسوليني وبوش، يعمل في المختبرات، بعيدا عن العيون، رجال مثل الهر هوفمان. أو مثل المستر فلمنغ. اثنان من عائلة فلمنغ: واحد اخترع لنا البنسلين، وواحد اخترع جيمس بوند، قاهر الأعداء والخصوم على جميع الشاشات وبكل الألوان.

اخترع البريطانيون، بكل خبث، جيمس بوند لهم، واخترعوا «المفتش كلوزو» للفرنسيين. الداهية والأحمق. المتفوق والمتعثر بربطة عنقه وبسرواله وبالمفتش الذي يعلوه رتبة وبمسدسه وبسريره. لم يتوقف الإنكليز عن السخرية من جيرانهم عبر المانش. فليصطفلوا. نحن نود في هذه المناسبة أن نرسل برقية شكر إلى الهر هوفمان. وإلى كل من اخترع مزيلا للألم.