أوباما يرمي قطعة النرد

TT

حجم المغامرات التي يواجهها الرئيس أوباما في كل يوم مربك للغاية. ما جاء خلال خطابه أمام جلسة مشتركة لغرفتي الكونغرس وأمام الجمهور الذي يتابع من خلال شاشات التلفزيون، ذكّر على نحو مثير بالمخاطر التي لا تصدق، والتي وضعها على الطاولة خلال أول شهر له في المنصب، واضعا رفاهية البلاد وسيطرة الحزب الديمقراطي داخل واشنطن على المحك.

كان الخطاب معيارا يدل على مقدار استيعابه للمسؤولية الشخصية بخصوص تنفيذ أحد أكثر الأجندات الطموحة التي يعلنها رئيس تم تنصيبه أخيرا.

ربما يقوم معظم الساسة بتأجيل معالجة أي قضية أخرى، عند مواجهتهم أزمة اقتصادية خطيرة مثل الأزمة الراهنة، على ضوء الانهيار المحتمل لسوق الوظائف والتصنيع ونظام الائتمان والتجزئة، إضافة إلى التكلفة الكبيرة غير المسبوقة لجهود الإنقاذ.

ولكن، لم يقم أوباما بذلك.

فبدلا من ذلك، لم يكد ينتهي من وصف خططه لبدء عملية الإحياء الاقتصادية وتعزيز قطاعي المصارف والسيارات اللذين أصابهما الشلل، حتى أخذ يعرض طموحاته إزاء إصلاح سياسات الطاقة والرعاية الصحية والتعليم.

كانت القاعة مملوءة بالعديد من المشرِّعين المخضرمين الذي قضوا عقودا في صراع مع مثل هذه القضايا، ويعلمون كيف أنه من الصعب جمع ائتلاف يسمح بتمرير تشريع ذي بال خاص بالتعليم والرعاية الصحية والطاقة.

وهنا وقف أوباما، يتحداهم بأن يقوم بالأمور الثلاثة، في وقت تم التعهد فيه بمبالغ تصل إلى مئات المليارات من الدولارات التي تم اقتراضها لصالح خطط إنقاذ اقتصادي قصيرة الأمد، وفي ظل المخاوف من أن تعرقل أي ضرائب جديدة عملية الإحياء.

هل هو شخص ساذج؟ هل لا يعجز عن فهم التحدي السياسي الذي يمثل أمامه؟ كان رده على هؤلاء المشككين على كلا جانبي الممشى، الذين يعتقدون أن أوباما سوف يحاول أن يبذل الكثير والكثير، هو التأكيد على أن السلبية ليست حلا. «وأنا أرفض السماح لذلك بأن يحدث».

أشار البيت الأبيض قبل الخطاب إلى أن أوباما يخطط إلى الضرب على وتر أكثر تفاؤلا، أكثر مما فعل خلال سعيه أخيرا من أجل تمرير مشروع قانون خطة التحفيز الاقتصادي. قام بذلك في ذروة خطابه، حين قال: «سوف نبني، سنعيد الحياة، وستظهر الولايات المتحدة الأميركية أقوى من أي وقت مضى».

هذه هي طبيعة الخطاب الرئاسي، ما يقوم به كتبة الخطابات في البيت الأبيض عندما تبدو الأمور كئيبة ويكون عليك أن تحشد القوات.

ولكن، لم يكتف أوباما بذلك. يشعر أوباما بالفرح بسبب الفوز الذي حققه خلال العام الماضي على هيلاري كلينتون وعلى جون ماكين، وبعد النسبة العالية من الأصوات التي حصل عليها، وبعد ما بدا من عدم انسجام بين صفوف معارضة الحزب الجمهوري، ودلل على ذلك رد حاكم لويزيانا بوبي جندال، ولذا يسعى أوباما كما هو واضح إلى الطرق على الحديد وهو ساخن.

تُذكِّر طبيعة تفكير أوباما بما كان عليه رونالد ريغان في عام 1981، عندما اعترف بأن ثقة الديمقراطيين في أنفسهم بددها انتصاره، وأن الباب مفتوح أمامه لتطبيق المزيد من الأجندة المحافظة أكثر من أي جمهوري آخر خلال 50 عاما.

تمكّن ريغان من القيام بذلك لأنه لم تكن أمامه أي معارضة من جانب الجمهوريين في البرلمان، وكان لديه البرنامج الوحيد الذي يمكن أخذه بعين الاعتبار.

ولكن، من المحتمل أن يكون منبع الخطر أمام طموحات أوباما هو الديمقراطيين المنتصرين، أكثر منه من جانب الجمهوريين المهزومين، حيث توجد لدى هؤلاء الديمقراطيين أفكار خاصة بهم بشأن ما يجب القيام به في قطاعات الطاقة والرعاية الصحية والتعليم. ويكمن الخطر الآخر فيما ذكره بوضوح: «باقي العالم». أصدر أوباما أوامره بتوجه 17.000 جندي إضافيين إلى أفغانستان، وهي دولة بها حكومة متعثرة وبجوارها جار لا يمكن الاعتماد عليه. ما زالت الولايات المتحدة تبحث عن استراتيجية معقولة يمكن تطبيقها في هذا المكان. لا يعطي العالم فترة راحة لرئيس أميركي، لا سيما عندما يكون مثل هذا، على كاهله الكثير من الأعباء.

عندما انتخبنا أوباما، لم نكن نعرف حجم هذا المغامر الذي نختاره.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»