رجال القانون

TT

كرر الدكتور حسن الترابي بعد خروجه الأخير من السجن القول إن على الرئيس السوداني عمر البشير أن يسلم نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية لأن مذكرة التوقيف صدرت باسمه شخصياً. ومنذ صدور المذكرة، أو بالأحرى منذ البدء في الكلام عن احتمال صدورها، والدكتور الترابي، خريج جامعة السوربون، يشدد على أهمية احترام القانون الدولي.

تعتقد السياسة العربية أنها أحجية فوق مستوى العامة. لكن الناس أذكى مما يظنون. الحقيقة أن القانون الدولي لم يتغير فيه أي بند خلال العقدين الماضيين. لكن الذي تغير على نحو مفرط في عدم اللياقة هو طبيعة العلاقة بين الترابي والبشير. ففي ذات مرحلة كانا يشكلان أكبر تحد ثنائي علني للقانون الدولي، بإيواء كارلوس ورجاله ومنظمات مشابهة أخرى. ثم افترقا في ظروف شديدة الغموض وتحولا إلى سجّان وسجين، بعدما أمسك العسكري بالعسكريين، وترك لحليفه مهمة تدريب الفتيات السودانيات على «الثورة العالمية» ببنادق من خشب. ولا تزال صور «الثائرات» المسلحات بالخشب في ذاكرة الذين ارتعدوا خوفاً عند رؤيتها.

شارك الترابي البشير - أو العكس - في كل شيء، بما في ذلك سجن نسيبه الصادق المهدي. وبدا السودان، لمرحلة غير قصيرة، وكأنه استقر على البقاء في ظل الثنائي المستبعد: عسكري لا يطيق الشراكة في شيء، ومدني ينتظر اللحظة الحاسمة لإعلان نهايتها. وكالعادة رسم العسكري خطة المفاجأة، معتمداً على الدبابات وولاء أصحابها، بعدما طهر الجيش من جميع المشكوك في أمرهم.

لماذا لواء الدبابات؟ لأنه في بلد مثل السودان، الأكثر فعالية. كان هتلر يحرص علناً على أن ينتقد سلاح الطيران وسلاح المشاة، ويمتدح في المقابل سلاح الدبابات، الذي عاد فأثبت مهارة فائقة في جميع الانقلابات العربية وبلاغات الرقم واحد.

يذكّر موقف الدكتور الترابي، من شرعية القانون الدولي وضرورة التمسك به، بالقصيدة التي مدح فيها المتنبي كافور الإخشيدي ثم بالقصيدة التي هجاه فيها. إذ يوم وقف طالباً عطاياه قال:

مولاي هل في الكأس فضل أناله

فإني أغني منذ حين وتشرب

ويوم لم تكن هناك عطايا قال فيه:

لا تشترِ العبد إلا والعصا معه

إن العبيد لأنجاس مناكيد