يريد أن يحاضر أيضاً

TT

نادرة أخبار السعد في هذا العالم، خصوصاً في هذه الأيام. لذلك عندما يسمع المرء نبأ سعيداً يتوقف عنده توقف الفيل أمام المرآة.

لعل أسعد خبر سمعته في زمن الأزمات هذا، أن السيد جورج بوش (الابن) يريد تكريس العام الحالي لإلقاء المحاضرات حول العالم، ابتداء بكندا. هذه، على ما يقال، ليست خبراً سعيداً فحسب، بل هي بشرى.

وبما أن المستر بوش قرر أن يشرك العالم أجمع بتجاربه اللامعة، أحب أن أقترح عليه سلسلة من المحاضرات. الأولى، في البلاغة والفصاحة والقدرة على التعبير دون خطأ في تركيب الكلام. الثانية في الثقافة العامة والتاريخ الحديث والمعاصر والقديم. الثالثة في الدبلوماسية، العراق مثالا. الرابعة في كسب الحروب، العراق وأفغانستان مثالا. الخامسة في حسن الإدارة واختيار المساعدين: دونالد رامسفيلد وبول وولفويتز مثالا. السادسة في «الكاريزما»، بوش نفسه مثالا. السابعة في المشاعر الإنسانية والنزاهة المطلقة والحدب البشري والإحساس الاجتماعي، ديك تشيني نموذجاً. الثامنة، في القدرة على الإنجاز، خريطة الطريق والدولة الفلسطينية نموذجاً. التاسعة في الضمير الحي: العلاقة مع أرييل شارون. العاشرة في الازدهار الاقتصادي وإدارة النمو ومنع الانهيار وحسن الرقابة والحد من عمليات النصب التي لا سابقة لحجمها في التاريخ.

خيل إليَّ، بكل صدق، أن جورج بوش سوف يخرج من البيت الأبيض إلى دار معزولة في مكان مجهول، لا يراه فيه أحد، ولا يذكره أحد بالأسلحة النووية التي عثر عليها في العراق، ولا بالانتصارات الباهرة التي حققها في أفغانستان، ولا بالاستقرار الذي حمله إلى باكستان، ولا بآلاف المليارات من الديون التي ألحقها بالخزانة الأميركية التي أفرغها تماماً، ولا بأسواق المال التي انهارت في عهده، ولا بسمعة أميركا السياسية والعسكرية والمالية.

كنت أعتقد أن من كان له سجل المستر بوش يسعى إلى الاختباء ويكرس حياته لعمل الخير تكفيراً عن الأفيال التي أطلقها في دكان الخزف العالمي، ولكن هذا الرجل له جرأة غريبة. ليس فقط في أنه رأى في نفسه ذات يوم مؤهلات تخوله خوض معركة الرئاسة الأميركية، بل لأنه، بعد كل الذي جرى، يصر على تذكير العالم بما فعل. لقد خرج والده إلى العالم محاضراً لينقل تجربة طويلة من العمل السياسي في السي.آي.إيه، والأمم المتحدة، ونيابة الرئاسة، ثم رئيساً انهارت في عهده الشيوعية الدولية، وانتهت الحرب الباردة وربحت حرب الخليج. لكن ما هي تجربة الابن الذي جاء من حاكمية التكساس، التي كان أثره الوحيد فيها، عدد أحكام الإعدام التي وقعها؟

لا نعرف من سيذهب للإصغاء إلى جورج بوش محاضراً. لكن لو أعطيت بطاقة مجانية لاعتذرت. أو بالأحرى لطالبت باعتذار.