القضية الأولى لإيران حقوق الإنسان وليس الأسلحة النووية

TT

نحن ناشطان ديمقراطيان حريصان على بلدنا إيران، وقد هاجر أحدنا، مريم، إلى الولايات المتحدة الأميركية في سن السابعة خلال ثورة عام 1979، أما الآخر، أكبر، فقد وصل إليها في عام 2005 بعد عقد من قيادة الحركة الطلابية الإيرانية، التي على الرغم من اضطهادها فإنها كانت قادرة على التواصل. يرتبط حبنا لبلدنا، نحن المتزوجين حديثا، بالشوق للحرية ونحن نكن بالغ التقدير للولايات المتحدة وقيمها، التي تعنى بحقوق الفرد وكرامة الإنسان.

خلال الحملة الرئاسية في عام 2008 ناقشنا مطولا نوايا السياسة الخارجية للرئيس الأميركي باراك أوباما، واعترانا المزيد من القلق حول الطريقة التي سينتهجها للتواصل مع تلك الديكتاتوريات والخلايا الإرهابية. كما تساءلنا أيضا عن السر وراء صمت أوباما، الذي استفاد من مكاسب حركة الحريات المدنية، عن التفرقة المنهجية وغياب الحريات المدنية والسياسية في مناطق عديدة من العالم، وعن السبب وراء غياب الحديث عن نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في خطاباته.

بيد أن انتصار أوباما دفع بنا إلى الأمل في الوعد بالتجديد، إذ تشهد قصته بقدرة المنظمات المدنية في جعل الحكومات خاضعة لها، لكنها بالنسبة لأمثال محمود أحمدي نجاد فإن ذلك النوع من الرئاسة يعتبر تهديدا لهم.

تلك الشعبية التي تمتع بها أوباما منحته القوة والمصداقية على إجراء محادثات مع النظام الإيراني، دون ذكر الديكتاتوريات في روسيا وزيمبابوي وكوريا الشمالية وباقي مناطق العالم، لاحترام حقوق الإنسان والتوجه نحو الديمقراطية. غير أن البعض في واشنطن قد حث أوباما على تحاشي الحديث بشأن هذه القضايا والبرامج التي تدعم الشعب الإيراني في التغيير من أجل التقدم التدريجي في المحادثات بشأن الأسلحة النووية. ومع استمرار طهران في التقدم باتجاه امتلاك السلاح النووي، وجدت الإدارة أن من الأفضل بالنسبة لها التغاضي عن آمال الشعب الإيراني والتركيز بدلا من ذلك على القضايا الملحة، لكن ذلك يعتبر خطأ، فحقيقة الأمر أن النظام الإيراني لا يريد شيئا مختلفا.

يجب أن ينظر العالم إلى الطموحات النووية الإيرانية في سياقها الخاص، فالعالم الحر لا يخشى من امتلاك إيران لقنبلة نووية، فالعالم مليء بالقنابل النووية، لكن ما يخشاه العالم هو العقلية الآيديولوجية الراديكالية الإيرانية التي ستمتلك تلك القنبلة، إذ يمكن أن تزيد تلك القوة النووية من جرأة الحكومة ونظام الملالي الحاكم، الذين بغض النظر عن توجهاتهم أو صراعاتهم الداخلية هم مصرون على البقاء في سدة الحكم.

القنبلة الإسلامية كما يحلو لـعلى أكبر هاشمي رفسنجاني، أن يسميها بافتخار، يمكن أن تساعد في ضمان حياة النظام.

تلك الثلة الموجودة على رأس السلطة في إيران هم المسؤولون عن الهجمات الإرهابية في الشرق الأوسط، إضافة إلى بيونس أيرس وباريس وفيينا وبرلين، كما أنهم يعارضون القوى الديمقراطية الليبرالية التي تسعى وراء الحرية الفردية. ولا تزال تلك الفئة الحاكمة تزج في السجون بالشباب الذين يقيمون الحفلات التي يستمعون فيها إلى الموسيقى، كما يضطهدون الأقليات الدينية باسم الله ويسجنون الملالي الذين يتحدثون عن الحرية، ولا يزالون يهتفون «الموت لأميركا» في خطبة الجمعة ويجبرون الأطفال على القيام بذلك كجزء من المنهج الدراسي. ينتشر إدمان المخدرات بين قطاع كبير من المجتمع الإيراني، وقد استشرى الفساد وعدم المحاسبة في القطاع النفطي الثري التابع للنظام حتى النخاع. وككل الأنظمة الشمولية، يسعى النظام الحاكم في إيران إلى الاحتفاظ بمظهره الخارجي من المثالية الثورية أمام العالم ـ خاصة بالنسبة لبعض الدول العربية المتعطشة لليبرالية ـ في الوقت الذي تتبقى فيه الحقائق المريرة للحياة تحت الدولة الآيديولوجية.

ومنذ عام 1979 دخلت الإدارات الأميركية المتعاقبة في حوارات مع الحكومة الإيرانية، مع الإبقاء في ذات الوقت على أسطورة عدم وجود محادثات. طوال تلك الفترة لم تعمد إيران إلى تغيير سلوكها، وزادت من قوتها العسكرية ونفوذها الإقليمي وصعدت من قمعها للشعب الإيراني، ورعت حزب الله في لبنان والآيديولوجيات المعادية لإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية في العالم الإسلامي، كما نجحت أيضا خلال تلك الفترة في إقناع البعض من اليسار الأوروبي والأميركي بتركها سالمة.

يمكن للمفاوضات أن تؤتي بثمارها مع إيران إذا ما تم التطرق خلالها مع النظام الإيراني الحاكم إلى جميع القضايا دون التفرد بواحدة بعينها، فالضغط من أجل حقوق الإنسان يمكن أن يؤدي إلى التكامل في أية محادثات، وسيمنع طهران من استخدام المفاوضات لتجنب القيام بأية تغييرات حقيقية، التي من بينها بالقطع الأنشطة النووية. ويشكل انخفاض سعر النفط والانتخابات الرئاسية المقبلة مداخل جديدة بالنسبة لأوباما لكي يقدم مطالب قوية لنظام الملالي بشأن المسألة النووية وتطبيق إصلاحات سياسية مختلفة.

ويجب على الإدارة أن تكون واضحة في محادثاتها ودبلوماسيتها العامة، في أنها تتوقع أن تقوم إيران بانتخابات حرة ونزيهة مع عدم استثناء أي من المرشحين. كما يجب على أوباما أن يضغط من أجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وأن يناقش النظام مطالب المعارضة من أجل إصلاحات دستورية وقانونية، وأن يحثها على إعادة السماح للصحف المستقلة بالصدور مرة أخرى وكذلك السماح للجامعات والمنظمات الحقوقية بالعمل بحرية.

سيعمل ذلك على تقديم إشارة إلى النظام الحاكم والشعب الإيراني على أن الإدارة لا ترغب في سلام أجوف غير عادل، وإنما إلى تقدم نحو إيران حرة تكون نموذجا لما بعد الديمقراطية الليبرالية الإسلامية وقوة سلام في الشرق الأوسط.

إن ما يرغبه الإيرانيون من باراك أوباما هو أن يؤمنوا بأن حديث أوباما عن الأمل والتغيير الذي كان السمة الغالبة على حملته الانتخابية قد شملهم، كما يجب عليه ألا يخذلهم في سعيهم نحو الحرية.

* مريم ميمارشادغي مستشارة لبرنامج تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط

* أكبر آتري عمل في قيادة منظمة طلابية إيرانية «تحكيم فهدات» من عام 1997 وحتى عام 2005.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»