عندما يبتسم الإيرانيون!

TT

عندما يلتقي«الإخوة» الإيرانيون إخوتهم العرب/اليمنيين في صنعاء، فإنهم يلتقونهم بالبسمات الحلوة والقبلات الحميمة، في الوقت الذي يجوس الذئب الإيراني خلال جبال وشعاب صعدة في شمال اليمن. أمر عجيب، أليس كذلك؟ ولكن العجب لا يزال في بدايته فلنواصل..

يفتح «الإخوة» الإيرانيون المركز الطبي الإيراني في العاصمة صنعاء لمداواة مرضى إخوتهم اليمنيين ويسعون من خلال المركز ذاته وغيره من المراكز إلى تقسيم اليمن طائفيا، ثم يبتسمون ابتسامتهم اليابسة التي تشبه ابتسامة مضيفة الطيران عندما تـُحيي زبائنها بابتسامة مصطنعة لغرض جلب المزيد من الزبائن في رحلات قادمة.

يقول اليمنيون للإيرانيين هذه هي الأدلة الدامغة على تورط إيران في حرب صعدة، فيبتسم الإخوة الإيرانيون ابتسامتهم المعهودة ويقولون: ذلك الدعم لا يأتي من الجهات الرسمية الإيرانية، ولكن من بعض الجهات الشعبية والدينية في إيران. ويضيفون: إن الدعم لا يعبر عن التوجهات الرسمية للجمهورية الإسلامية القائمة على احترام سيادة اليمن ووحدة أراضيه. وهذه عجب آخر.

يحتفي «الإخوة» الإيرانيون بإخوتهم العرب/البحرينيين على الرغم من أن البحرين ـ إيرانيا ـ محافظة إيرانية، يبتسم «الأخ» الإيراني لأخيه البحريني ويقول الأسطوانة نفسها: ما قيل لا يمثل السياسة الرسمية الإيرانية التي تحترم سيادة دولة البحرين. على الرغم من أن ما قيل صدر عن مسؤول كبير في مكتب المرشد خامنئي. وغير ذلك، يدعو «الإخوة» الإيرانيون إخوانهم العرب في الخليج العربي إلى تشكيل نظام أمني ودفاعي مشترك بين إيران و«إخوتها» العرب للدفاع عن دول الخليج، وفي الوقت نفسه يحتل «الأخ» الإيراني جزرا عربية في هذا الخليج، ويتوعد من يدعو إلى مجرد التحكيم الدولي في مسألة الجزر بالويل والثبور. (وهل يجوز الاحتكام إلى الطواغيت وقوى الاستكبار العالمي في قضايا أخوية خالصة؟!) بل إن مجرد تسمية الخليج بالعربي تعد تجاوزا تثور لأجله إيران وتهدد من لا يقول بفارسية هذا الخليج المُبتلى بالنفط والمصالح والتنافس العالمي المخيف. الإخوة في إيران الإسلامية يدعون إلى الوحدة الإسلامية، في الوقت الذي يحرضون بعض الأقليات الشيعية في بعض الدول العربية على إقلاق الأمن في دولها وتهديد وحدتها تحت مسمى الثورة ضد قوى الاستكبار العالمي والموالين لها.

«الإخوة» في إيران الإسلامية يدعون إلى وحدة المسلمين، في الوقت الذي يقوم فيه نظامهم الثيوقراطي الطائفي على إنكار الوحدة التاريخية بين المسلمين، والسعي عن قصد لإحياء مناسبات دينية معينة لها علاقة بالحروب الداخلية التي عانى منها المسلمون في عصور سحيقة لم يعد هناك ما يبرر إحياءها. كل ذلك لتكريس الانقسام الذي تحاول إيران أن تخبئه تحت شعار الوحدة الإسلامية.

أما فلسطين، فيكاد المرء أن يصدق لفرط ما يرى ويسمع عن مؤتمرات تعقد في إيران عن نصرة فلسطين، يكاد المرء أن يصدق أن صلاح الدين الأيوبي كان إيرانيا، وأن أحمدي نجاد قاب قوسين أو أدنى من الدخول إلى بيت المقدس، التي لم يقتل في سبيلها جندي إيراني واحد، على الرغم من أن مئات آلاف الجنود الإيرانيين قضوا صرعى وهم يقاتلون «إخوانهم» المسلمين في العراق. وبمناسبة ذكر العراق، فإن «الأشقاء» في إيران فرحون بالطبع للحرية التي جلبها لإخوتهم العرب العراقيين الشيطانُ الأكبر، وهم بالطبع يدينون «القاعدة» وفكرها التكفيري وأعمالها الإجرامية في العراق، في الوقت الذي يحتفظون فيه بقيادات من القاعدة على الأراضي الإيرانية ويسهلون تنقلات المقاتلين القاعديين من العراق إلى أفغانستان أو العكس.

طبعا لا تنسوا، أعزائي، بسمات «الإخوة» الإيرانيين وهم يلتقون إخوانهم العراقيين الذين يذكرونهم بأدب جم بأن قيادات القاعدة تتنقل عبر إيران من وإلى العراق، وأن الأسلحة وغيرها تتدفق إلى العراق من إيران، وعندها يسمع العراقيون الجواب نفسه ويرون الابتسامة نفسها التي تعني للعراقيين ما عنته لليمنيين والبحرينيين.

وما زلنا في العراق.. حيث تدعم إيران، التي تدعو إلى الوحدة الإسلامية، تدعم تقسيم العراق على أساس فيدرالي طائفي، حتى يتسنى لوكلائها في العراق تمكينها من إحكام السيطرة على ثروات الجنوب العراقي.

وفي سياق آخر، يقول «الإخوة» الإيرانيون أن أمريكا هي الشيطان الأكبر، ويُخوِّنون من تربطهم علاقات مع هذا الشيطان، ولا يكفون في الوقت ذاته عن إرسال إشارات الغزل السياسي إلى هذا الشيطان الطيب الذي مكن لهم في العراق وأفغانستان، بل ويعرضون عليه التفاوض في ملفات كثيرة تمتد من أفغانستان، وتمر بالعراق، ولا تنتهي في لبنان وفلسطين، ولا يفتأون يُذكـِّرون هذا الشيطان بخدماتهم الجليلة التي أسدوها له ـ ضمن تحالف غير معلن ـ في العراق وأفغانستان.

وأخيرا ما كنت لأكتب عن بسمات «الإخوة» الإيرانيين لولا أني أصبحت أرى كل بسمة إيرانية يتبعها مكر وتقية سياسية وكسب للوقت ومحاولة ممجوجة لتزييف الحقائق لصالح المشروع الإيراني في المنطقة. ذلك المشروع الذي يروج «الإخوة» الإيرانيون أن رافضيه إنما يسيرون وفق خطط المشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة. وهي مغالطة واضحة، إذ إنه ليس حتميا على العرب إما أن يختاروا بين المشروع الإيراني، أو المشروع الأمريكي الإسرائيلي. العرب اليوم معنيون ببناء مشروعهم العربي، الذي نرجو أن تكون بداية ملامحه قد تجلت في الحراك العربي الأخير الذي بدأ في الرياض، الذي لا شك أنه قد أزعج «الإخوة» في إيران، فبعثوا إلي الرياض على عجل أخيرا واحدا من أكثر ساسة طهران ابتساما وهوـ في تصوري ـ ما يوحي بأن إيران لا تزال في علاقاتها الخارجية تراهن على مبدأ: دع يدك تكشر ما دام ثغرك يبتسم.

* كاتب يمني مقيم

في بريطانيا