حرب البلديات التركية.. بين الغاية والوسيلة

TT

تواصل الأحزاب السياسية التركية استعداداتها لخوض انتخابات محلية، يختار على أساسها آلاف رؤساء البلديات في المدن والأقاليم والقرى التركية في 29 مارس (آذار). فالمعارضة تريد أن تهز عرش «العدالة والتنمية» وحزب رجب طيب أردوغان المهيمن على المواقع الرئاسية الثلاثة يصر، ليس فقط على الانفراد بإدارة شؤون البلاد السياسية والاجتماعية والحياتية، بل بالوصول إلى أبعد بلدية وأصغرها في الأناضول التركي لترفع شعار المصباح الكهربائي على مداخل أبنيتها.

انتخابات تحمل يوما بعد آخر المزيد من الوعود والمشاريع والبرامج، لكن يبدو منذ الآن أن حادثة دافوس، والحرب الإسرائيلية على غزة، والمسألة الكردية، والأزمة الاقتصادية والمعيشية العاصفة، هي التي تهيمن عليها بالدرجة الأولى. المواجهات خرجت عن إطار الانتخابات المحلية المحدودة إلى مواجهة تهيمن عليها أجواء الاتهامات باعتماد الوسائل والأساليب غير الأخلاقية والقانونية. ملايين الدولارات صرفت حتى الآن لكن النتيجة شبه معروفة، أردوغان وحزبه هم يتقدمون على منافسهم الأقرب حزب الشعب الجمهوري بعشرات النقاط، ولا مفاجآت واحتمالات أخرى قد تحدث وتقلب هذه المعادلة حتى الآن.

المعارضة تصر على أن مواجهات صعبة وأياما أصعب تنتظر العدالة بعد إعلان النتائج، وأن استطلاعات الرأي غالبا ما تقول وتنقل عكس ما يقوله الشارع التركي المصر على محاسبة «العدالة والتنمية»، واسترداد الكثير من البلديات الهامة منه. قيادات حزب الشعب الجمهوري تلعب بورقة الحجاب والاستنجاد بدروس تعليم القرآن والعلوم الدينية التي سيدعمونها في أكثر من مدينة يسيطرون عليها بعد الانتخابات، في محاولة لانتزاع بعض الأصوات من «العدالة والتنمية» وتغيير صورته السلبية لدى الناخب الإسلامي، لنتعرف على حجم الوعود المقطوعة وجدية المواجهة وصعوبتها.

زعيم حزب الحركة القومية دولت بهشلي كان أشد قسوة في هجومه السياسي الأخير على حزب العدالة، مفضلا العودة إلى الأرشيف السياسي والاستعانة به للقول إن أردوغان كان صقرا في دافوس لكنه كان عصفورا مسالما قبل ذلك في موضوع السليمانية، وهي الحادثة التي وقعت في شمال العراق بين القوات الأميركية والجنود الأتراك الذين قيدوا إلى التحقيق من قبل القوات الأميركية هناك على مرأى ومسمع قوات البشمركة الكردية في المدينة.

فيما يحاول حزب السعادة الإسلامي الدخول على الخط مجددا لجلب الغاضبين والناقمين واسترداد ما فقده شعبيا وسياسيا بعد انفصال أردوغان وأعوانه عن الحزب الأم الذي أسسه وقاده نجم الدين أربكان. أما قيادات حزب المجتمع الديمقراطي التي رحبت ببادرة تخصيص قناة تلفزيونية رسمية ناطقة باللغة الكردية وموجهة مباشرة إلى مواطني تركيا من الأكراد، فقد حذرت من أن يتحول ذلك إلى ورقة سياسية تهدف إلى زيادة نسبة أصوات البعض. لكن دخول هدايا بالغة القيمة على شكل مساعدات تقدم للعائلات المحتاجة في مناطق جنوب تركيا على خط المنافسة، أغضب البعض ودفع البعض الآخر إلى حمل الموضوع إلى المحاكم لمساسه باستقلالية ومصداقية ونزاهة الانتخابات، لكن عمليات الدعم هذه لم تتوقف تحت شعار أن ما يجري له علاقة مباشرة بدولة الخدمات والمساعدات الاجتماعية.

انتخابات عام 2004 الأخيرة كانت انتصارا كبيرا لحزب العدالة الذي انتزع وحده 12 بلدية في المدن الكبرى من أصل 16 بلدية، تاركا 4 بلديات فقط لقوى المعارضة تتقاسمها، هذا إلى جانب هيمنته على 46 بلدية في المدن التركية الأخرى مقابل 6 بلديات سيطر عليها حزب الشعب الجمهوري. وكل هذا يعني أن المواجهة ستمتد لتصل إلى أبعد القرى النائية، لكنها ستكون أيضا حول المدن التركية الكبرى، إسطنبول وأنقرة وأزمير ودياربكر، وكل ما ترمز إليه سياسيا وتاريخيا، فأنقرة هي العاصمة السياسية والإدارية، وإسطنبول هي العاصمة التجارية التي يهيمن حزب العدالة على بلديتها منذ سنوات طويلة ولن يفرط فيها بهذه السهولة، بل هو يخطط لانتزاع أزمير الواقعة على سواحل بحر إيجه من حزب الشعب الجمهوري، وهي أهم القلاع المتبقية بيده، كما أنه يعد لمعركة تصفية حسابات مع حزب المجتمع الديمقراطي وانتزاع مدينة دياربكر عاصمة جنوب شرق تركيا بغالبيتها الكردية منه.

انتخابات تفتقد، كما يقول الكثير من الخبراء والمراقبين السياسيين والإعلاميين، إلى حملات التعريف بها وبغايتها الأساسية، وشرح أهميتها ودورها الاجتماعي والخدماتي بالدرجة الأولى. انتخابات تأتي فيها كفاءة المرشح ومميزاته وقدراته العلمية وخبراته في المرتبة الثانية، بعد توجهات وميول المرشح السياسية والحزبية.

انتخابات مارس (آذار) ستكون في جميع الأحوال الاستفتاء الشعبي العام الذي يريده ويراهن عليه رجب طيب أردوغان حيال سياساته ومواقفه داخل تركيا وخارجها، وهي رسالة تعني أيضا بقاءه في الحكم لحقبة جديدة لن تقل عن 5 سنوات مقبلة.