السلام الصعب

TT

خرجت الكثير من التعبيرات لوصف اتفاق السلام المصري الإسرائيلي الذي أبرمه الرئيس الراحل أنور السادات ويمر عليه 30 عاما هدا الأسبوع، أبرزها السلام البارد، والسلام المر إلى آخر القائمة، وهو بالتأكيد لم يكن سلاما سهلا، وكثيرون وقتها توقعوا عدم صمود الاتفاقية خاصة في الفترة الصعبة في الثمانينات التي شهدت تطبيق بنود الاتفاق واستكمال عملية الانسحاب من سيناء، ومفاوضات طابا التي استرجعتها مصر بمعركة قانونية بالتحكيم الدولي.

وشهدت المنطقة أحداثا كثيرة أثرت على طبيعة وحالة هذا السلام وشعبيته لدى الرأي العام بدءا من المقاطعة العربية بعد توقيع الاتفاق، إلى الحرب الأهلية في لبنان والغزو الإسرائيلي الذي وصل إلى بيروت ثم الانتفاضتين الفلسطينيتين، وما رافقهما من عنف، خاصة في الثانية، إلى الهجوم الأخير على غزة.

وتداخلت أيضا أحداث أخرى في هذه المنطقة لا علاقة لها مباشرة بالصراع العربي الإسرائيلي ولكن كان لها تأثيرها بحكم أن أطرافها رأت أن القضية الفلسطينية يمكن أن تكون إحدى الأوراق التي تستطيع أن تستخدمها في تحقيق مصالحها في صراعاتها مثل الحرب العراقية ـ الإيرانية، وغزو الكويت ثم حرب تحريرها، ثم غزو العراق، وأخيرا الصراع الإقليمي الدائر والمرتبط بإيران وملفها النووي.

كل هذه الأحداث جعلته سلاما صعبا، لكنه صمد في الـ 30 عاما الماضية وأصبح واقعيا حقيقة سياسية وإستراتيجية لا توجد مصلحة في التراجع عنها بالنسبة للطرفين أو حتى للأطراف الإقليمية الأخرى مهما كانت درجة التهاب الأعصاب، أو التصريحات النارية، وعلى العكس من ذلك فإن المطروح هو توسيع إطار هذا السلام على جبهات أخرى اعتمادا على النموذج المصري، كما هي الحال بالنسبة إلى سورية باعتبار أن هناك حالة متشابهة (استعادة الأرض مقابل السلام) وكذلك في الحالة الفلسطينية، وان كانت لها خصوصياتها في التعقيد لأن المسألة لا تعتمد على هذه الصيغة المباشرة، ولكن أيضا قضية اللاجئين والمستوطنات، ومستقبل القدس.

وإذا عدنا لتقييم حالة السلام المصري الإسرائيلي بعد 30 عاما فإننا يجب أن نستذكر أن مقدمة اتفاقية السلام تشير إلى أن إطارها العام هو تحقيق السلام الشامل ليشمل بقية الأطراف، وهو ما لم يتحقق حتى الآن رغم فترات المد ثم التراجع في مفاوضات السلام على الجبهات الأخرى من مؤتمر مدريد للسلام في 1990 والتي أعقبتها فورة التوقعات في منتصف التسعينات مع اكتساب المفاوضات الفلسطينية زخما، وكذلك المفاوضات على الجانب السوري، وهو ما يفسر لماذا ظلت حالة السلام باردة. مع ذلك فإن التقييم الموضوعي يشير بعد 30 عاما إلى أن قرار السادات كان صائبا بالنسبة إلى مصر، وهو بحكم أنه كان رئيسها فمسؤوليته الأولى التي يحاسب عليها هي بلده واسترجاع أرضها، وقد فعل ذلك، وهو في الوقت ذاته كسر الحلقة المفرغة التي كانت تدور فيها وتستنزف إمكانيات التنمية والمستقبل والمتمثلة في حرب كل عشر سنوات تقريبا بدون هدف استراتيجي واقعي. على الصعيد العربي هناك أشياء تحققت رغم الأجواء المشبعة في بعض الفترات بدخان البارود، ومهدت لها الاتفاقية المصرية الإسرائيلية، فهناك الآن اتفاقية سلام أردنية ـ إسرائيلية. كما أن هناك الآن في الأراضي الفلسطينية سلطة وطنية فلسطينية لها شرطتها وجهازها الإداري ويعترف بها العالم. ورغم كل ما حدث فإن حلم الدولة الفلسطينية أصبح هدفا يجمع عليه المجتمع الدولي ولم تعد القضية لاجئين فقط بل أصبحت قضية شعب وتقرير مصير. وعلى صعيد قضية الجولان فإن هناك أساسا لتفاهم واتفاق سلام ينتظر اللحظة والظروف المناسبة. وإذا كانت هناك وجهات نظر وأطراف في المنطقة العربية لا ترى ذلك أو تراهن على عنف دائم، فإن هذا ينطبق أيضا على أطراف إسرائيلية، فبرودة السلام حالة تشترك في المسؤولية عنها أطراف إسرائيلية، لأنه لا يمكن واقعيا أن يكون دافئا بدون إجراءات بناء ثقة، أو بالممارسات العنيفة والتدمير، والرغبة في الاستحواذ على الأرض.