«الحد الأدنى».. طريق خطأ لأفغانستان

TT

في نهاية الشهر الحالي، سوف تكشف إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما النقاب عن استراتيجية جديدة للحرب في أفغانستان. ويأتي ذلك في الوقت الذي تشير فيه مؤشرات مهمة للغاية في أفغانستان إلى الاتجاه الخطأ. كان قرار الرئيس أوباما الشهر الماضي بأن يعبأ 17,000 جندي أميركي إضافيين بمثابة خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، ولكن ثمة حاجة إلى إجراء فحص دقيق شامل، وسريع، لخطتنا الحربية. وفي الوقت الذي تنهي فيه الإدارة عملية مراجعة سياساتها، نعاني من مشاكل بسبب دعوة البعض الرئيس إلى أن يتبنى اتجاه «الحد الأدنى» إزاء أفغانستان. ويشير مؤيدو هذا المنحى إلى أن الشعب الأميركي سئم الحرب وأن التزام طموح طويل الأجل بخصوص أفغانستان قد لا يكون ذا جدوى سياسية. ويحذرون من أن أفغانستان دائما ما كانت «مقبرة للإمبراطوريات»، وأنه لم تكن هناك قوة مسيطرة عليها في يوم من الأيام. ويقولون إنه بدلا من ذلك يمكن أن نحمي مصالحنا القومية الحيوية داخل أفغانستان في الوقت الذي نقوم فيه بتقليل سقف أهدافنا وقبول أهداف أكثر «واقعية» هناك – وعلى سبيل المثال، عن طريق خفض مستوى التزامنا طويل الأجل بخصوص مساعدة الشعب الأفغاني على أن يبني مستقبلا أفضل مقابل تركيز على المدى القصير على محاربة الإرهابيين.

وتبرز الجاذبية السياسية لهذا المنحى التقليلي واضحة للعيان، ولكن بها خطأ جوهري. ولذا يجب، بلا ريب، أن يرفضها الرئيس.

يجب ألا يكون ثمة شك في أنه يمكن كسب الحرب الدائرة في أفغانستان. ويمكن تحقيق النجاح والوصول إلى أفغانستان مستقرة آمنة يحكمها أهلها دون أن تكون ملاذا آمنا للإرهابيين. وكما هو الحال في العراق، لا يوجد طريق مختصر لتحقيق النجاح. وليس ثمة طريق وسط يتسم بالحذاقة يتيح لنا تحقيق الكثير مع القيام بالقليل. اتجاه الحد الأدنى داخل أفغانستان ما هو إلا وصفة لخسارة بطيئة بكلفة كبيرة من أرواح الأميركيين والثروات والأمن، وليس طريقة أكثر ذكاء لتحقيق انتصار.

نعم، اهتمامنا القومي الحيوي في أفغانستان هو أن نمنع البلاد من أن تكون من جديد ملاذا للإرهابيين، يخططون فيها لهجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائها. ويجب علينا تنفيذ مجموعة أوسع من المهام من أجل الوصول إلى هذا الهدف الضيق ذي الصلة بمكافحة الإرهاب، وعلى رأس هذه المهام هو حماية السكان، وتشكيل حكومة شرعية فعالة وتعزيز التنمية.

باختصار، نحتاج إلى منحى شامل مدني عسكري لمكافحة التمرد تدعمه موارد متزايدة والتزام سياسي أميركي واضح لتحقيق النجاح في أفغانستان خلال هذه الرحلة الطويلة الشاقة.

وفي المقابل، فإن التركيز الضيق قصير الأجل على محاربة الإرهاب سوف يعني تكرار نفس الأخطاء التي ارتكبت على مدار أعوام في العراق قبل زيادة القوات، وسيكون له نفس التبعات الكارثية. قبل عام 2007 في العراق، كانت القوات الخاصة الأميركية لديها حرية كاملة في الهجوم على قيادات الإرهاب، يدعمها أكثر من 120,000 من القوات الأميركية التقليدية وسيطرة شاملة من الجو. وعلى الرغم من أننا تمكنا من قتل عدد لا يحصى من الإرهابيين، ومن بينهم زعيم القاعدة في العراق، أبو مصعب الزرقاوي، استمر التمرد في النمو في قوته وعنفه حتى تمكنا من تغيير الأسلوب واتبعنا منحى جديدا تمثل في استراتيجية لمكافحة التمرد تركز على تقديم الأمن الأساسي للمواطنين وتحسين الأوضاع المعيشية، ومن ثم تمكنا من كسر هذه الحلقة من العنف.

وهؤلاء الذين يدافعون عن توجيه ضربات مستهدفة لمحاربة الإرهاب داخل أفغانستان لا يلاحظون أن أفضل وسيلة للحصول على المعلومات الاستخباراتية اللازمة لهذه الضربات هي الحصول عليها من المدنيين الأفغان، الذين لن يخاطروا بأرواحهم لمساعدتنا إلا إذا اعتقدوا أننا ملتزمون حمايتهم من المتمردين ومساعدتهم على تحسين أوضاعهم المعيشية.

وسيكون للكلام البلاغي الفضفاض عن التزام «حد أدنى» في أفغانستان مردود عكسي لسبب آخر. إنه يزيد من الشكوك، المنتشرة بالفعل في جنوب آسيا، والتي تقول إن الولايات المتحدة سوف تملّ هذه الحرب وأنها سوف تتراجع. وهذه المخاوف المتعلقة بسلطتنا القائمة تمنع المواطنين الأفغان العاديين من الوقوف إلى جانب تحالفنا ضد المتمردين. ومن المهم أيضا في هذا الصدد هو أن هذه الشكوك تمثل سببا مهما يجعل البعض في باكستان مترددين في قطع علاقاتهم بالتنظيمات المتمردة، التي ينظرون إليها على أنها مهمة من أجل مساعدة باكستان على أن يكون لها نفوذ عندما تغادر الولايات المتحدة أفغانستان. ولهذا فإنه من المهم أن يرفض الرئيس إغراءات الحد الأدنى في أفغانستان وتبني، بدلا من ذلك، استراتيجية شاملة لمكافحة التمرد، يدعمها التزام أميركي واضح لتحقيق النجاح على المدى الطويل. وعند القيام بذلك، فإن عليه أن يستثمر رأس المال السياسي في تذكير الأميركي بضرورة هذه الحرب وأهميتها بالنسبة للأمن القومي، وعليه أن يتحدث بصراحة ووضوح إلى الأمة الأميركية عن الطريق الصعب الذي يلوح في الأفق، وأهم من ذلك كله، عليه أن يوضح للمواطنين السبب الذي يجعله واثقا من أننا يمكننا تحقيق انتصار.

عندما كان باراك أوباما مرشحا لمنصب الرئيس وصف أفغانستان بأنها «الحرب التي يجب أن ننتصر فيها». وكان، قطعا، على صواب. والآن، هذا هو وقت تحقيق الانتصار، ونحن مستعدون، ومعنا الكثير من الأعضاء من كلا الحزبين السياسيين، لتقديم دعمنا الكامل له في هذه الحرب المهمة.

* جون ماكين: سيناتور جمهوري عن ولاية أريزونا.. وكان مرشح الحزب الجمهوري لمنصب الرئيس الأميركي عام 2008.

* جوزيف ليبرمان: سيناتور ديمقراطي مستقل عن ولاية كونيكتيكت.. وكان المرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس الأميركي في عام 2000.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»