الأزمة تمتد.. إعلاميا

TT

سواء أكنا من مؤيديها أم لا، تبدو العولمة قوة عصية على الإبطاء أو الرد رغم النبوءات والتوقعات الكثيرة التي افترضت أن العولمة هي سبب الأزمة الاقتصادية العالمية وبالتالي ستكون الضحية الأولى لها. فالنقاشات حول العولمة ماليا، وسياسيا واقتصاديا وثقافيا باتت تتصدر محاور النقاش والجدل الذي أعقب الانهيارات المالية والأزمة العقارية.. هنا، المعني في نقاشنا هو الإعلام وهو قطاع بات تقريبا التجسيد الفعلي للعولمة ولجعل العالم قرية كونية. إنها صناعة تستهلك مئات الملايين من الدولارات وأسهمت في تلاقي المجتمعات البشرية صورة وصوتا وفي اللحظة نفسها....

ولأن ردة الفعل الأولى في الأزمات هي الانكماش الحمائي ما يعني عدم التوسع خارج الحدود المحلية، فإن الإجراءات الأولى لوسائل الإعلام الإخبارية العالمية هي إقفال مكاتب خارجية بعيدة عن مراكزها ونقاط اهتمامها المباشرة لخفض التكاليف. هذا الأمر بدأ يحدث فعلا وإن على نحو غير واسع وما زال غير واضح الأثر.. أقفلت مؤسسات وصحافيون صرفوا بالجملة..

في أميركا وحدها بلغ عدد الصحافيين المصروفين من أعمالهم 15000 صحافي فيما تراجع مبيع الصحف وانخفضت عائدات الإعلانات. الأمر نفسه ينطبق على مؤسسات إعلامية غربية وعربية.

لكن لنتخيل في حال استمرار الأزمة ما تعنيه حقيقة انكماش الإعلام عن وظيفته «العالمية»..

الملايين تابعوا من حول العالم صور عشرات الأميركيين الذين أجبرتهم الأزمة على التخلي عن منازلهم لعدم تمكنهم من تسديد مستحقاتها والانتقال للعيش في خيم على الطرقات.. يُتهم الأميركيون بأنهم ضعيفو الحساسية حيال أزمات العالم ومحدودو المعرفة حين يتعلق الأمر بخارج حدودهم، وبأن وسائل إعلامهم لا تنقل لهم صورة كاملة أو دقيقة عما يجري في الشرق الأوسط مثلا..

هل ستسهم الأزمة في إبعاد الأميركيين عن العالم على نحو أكبر، وبالتالي تنعدم المساحات المحدودة أصلا لقضايا العالم على الإعلام الأميركي؟

إقفال مؤسسات إعلامية أميركية كبرى مكاتب خارجية لها في أفريقيا أو آسيا وتصاعد الانشغال بالأزمة محليا هل سيزيد من التباعد بين الأميركيين وبين أزمات أخرى في القرية الكونية!!..

التساؤل نفسه مطروح على مناطق ودول أخرى من العالم وعلى مدى اهتمامها بمتابعة ما يجري خارج حدودها لصالح الداخل وأزماته..

يبدو أن الانترنت سيبقى الناجي الوحيد في هذه الأزمة وربما سيكون الأكثر إفادة منها.. إنه وسيلة الاتصال الوحيدة التي وفرت إمكانية الدخول والتعرف إلى الأماكن الأكثر انعزالا في العالم وهو الوسيلة الأكثر تأثيرا في حياة أعداد متزايدة من الناس في بقاع كثيرة وبكلفة هي الأدنى...

اليوم تبحث الصحف عن عائدات للإعلانات عبر الانترنت لإنقاذها من الإفلاس وربما من الزوال التام. المتوقع اليوم مزيد من الإعلانات الإلكترونية في مواقع الأخبار على الفضاء الافتراضي.

ربما تكون العولمة اليوم على حد ما يرى محللون أكثر فردية من أي وقت مضى.

هل ستكشف لنا الأزمة العالمية وجوها جديدة لم نعهدها!! ربما.

diana@ asharqalawsat.com