ازدحام.. أم نهاية مرحلة؟

TT

لم تعد عقدة عقد المعركة الانتخابية المقبلة في لبنان اجتراع الشعارات التي سيخوض تيارا «14 آذار» و«8 آذار» المعركة تحت عنوانهان بل تشكيل اللوائح الانتخابية بصبر وأناة.. وأقل ضرر ممكن لتحالفات التيارين السياسية.

ما توحيه التطورات الراهنة في لبنان يختصر بكلمتين: الشعارات «محسومة» واللوائح «ملغومة».

عقدة تشكيل اللوائح الانتخابية لا تبدو مستغربة على خلفية التيارين المتواجهين سياسيا وانتخابيا، فكلاهما رداء فضفاض يحوي تحت عباءته الواسعة تلاوين سياسية لا يجمع بينها سوى الموقف من سورية (وممن وراء سورية)، والموقف من المحكمة الدولية.

صحيح أن للظروف أحكامها. ولكن انحصار التباين الأساسي بين تجمعي الموالاة والمعارضة، إلى حد كبير، بمواقفهما من سورية، يعني أنه بقدر ما تصمد أجواء المصالحة العربية، وبقدر ما يمضي التطبيع مع سورية قدما إلى الأمام (وافتتاح السفارتين محطة تاريخية في هذا الاتجاه)، يخف عداء جمهور «14 آذار» للنظام السوري، وتتراجع، بالمقابل، جدوى الولاء له من جانب جمهور «8 آذار» لتعود الانتخابات اللبنانية لعبة تقاسم نفوذ داخلي بدعم خارجي.. على الأقل بانتظار أول قرار ظني يصدر عن المحكمة الدولية.

لذلك لا يبدو مستغربا أن تكون معاناة تشكيل اللوائح واحدة في صفوف تجمعي الموالاة والمعارضة، فغير خاف أن افتقار أحزاب التجمعين إلى قاعدة عقائدية مشتركة لا يسمح لها بان تشكل «منبرا» انتخابيا واحدا ـ أو ما يعرف في الديمقراطيات الغربية بـ«Platform» ـ يربط أحزابها بمنهج سياسي يتعدى اعتبارات التحالف الظرفي القائم حتى الآن.

حتى في الحدود الدنيا لرؤاها السياسية لا يوجد رابط عقائدي بين أحزاب تجمع الموالاة القائمة على تحالف يضم اليساري واليميني في بوتقة واحدة ولا بين أحزاب المعارضة التي تجمع، على مضض، بين الأصولي والعلماني. وفي هذا السياق كان النائب ميشال عون واضحا في تأكيده أنه لا يتفق «على كل شيء» مع حلفائه في تجمع «8 آذار».

لذلك يبدو استمرار وحدة التجمعين المعروفين بـ«14 آذار» و«8 آذار» على ما هي عليه حاليا مسألة وقت فقط.. وقد يكون خروج رئيس كتلة نواب «اللقاء الديمقراطي» وليد جنبلاط، عن صمته حيال عمليات شد الحبال التي ترافق تشكيل لوائح تجمع «14 آذار» وانتقاده، علنا، ما وصفه بـ«حركة ازدحام» في الترشيحات تحت شعار قوى «14 آذار»، ليس مجرد ملاحظة عابرة لحالة طارئة بقدر ما هو مؤشر مبكر على بداية غروب مرحلة الاصطفاف «التحالفي» الواسع على الساحة السياسية في لبنان لصالح العودة إلى الاصطفاف الحزبي الأضيق، والأكثر انسجاما عقائديا.

بوادر هذا التحول يمكن تلمسها من ظاهرة طغيان «تكتيك» تشكيل اللوائح الانتخابية على «استراتيجية» المعركة الانتخابية التي تكرر كل القوى السياسية في لبنان التأكيد بأنها مصيرية، ولكنها، كما يبدو، ليست مصيرية بما فيه الكفاية لأن تتناسى أحزاب وكتل وأعضاء كل من التجمعين «التباينات» الإيديولوجية والمناطقية وربما المذهبية أيضا بينها.

لو سجل هذا التحول في أي نظام برلماني غير النظام اللبناني لجاز اعتباره ظاهرة ديمقراطية توفر للناخب تمثيلا سياسيا أكثر مصداقية في شعاراته من طروحات التجمعات الانتخابية الفضفاضة والظرفية.

ولكنه، مع الأسف، يسجل في لبنان، وفي إطار قانون انتخابي تتقاطع فيه الاعتبارات التوافقية مع المعطيات الديمقراطية لتفرز تمثيلا نيابيا لا يخرج في نهاية المطاف عن نطاق الأمر الواقع في البلد.

ويبدو أن هذه الحالة الاستثنائية مرشحة للاستمرار إلى ما لانهاية في لبنان ما لم تقع «الأعجوبة» المنتظرة ويتبنَّ مجلس النواب يوما نظاما يقوم على قاعدة الاقتراع النسبي الذي يسمح لكل حزب أو تيار سياسي أن يختبر، مباشرة، حجمه الحقيقي فيأخذ في الاعتبار في حساباته الانتخابية.

وإلى أن يطبق لبنان نظام اقتراع نسبي سوف تستمر ظاهرة «تسوّل» مقاعد الصغار من مواقع الكبار المحسومة شعبيتهم، وتتجدد مواسم «الازدحام» داخل أروقة التحالفات السياسية الظرفية.