عندما يصبح أوباما مطية لإيران

TT

في يوم الجمعة الماضي وجّه الرئيس الأميركي باراك حسين أوباما رسالة مسجلة عبر الفيديو، بمناسبة احتفالات عيد النيروز، أو العام الإيراني الجديد، مما أطلق العنان لمناقشة جديدة بشأن العلاقات الإيرانية الأميركية. جدير بالذكر أن توجيه رسالة إلى الشعب الإيراني في احتفالات النيروز ليست أمرا جديدا بالنسبة إلى رئيس أميركي، إذ أرسل الرئيس الأميركي تشيستر آرثر ـ الرئيس الـ21 للولايات المتحدة ـ مثل هذه الرسالة في عام 1883، وهو تقليد انتهجه خليفته الـ22 أيضا. ومع ذلك فرسالة أوباما تحمل خاصيتين جديدتين، الأولى أنها موجهة إلى «الشعب والقيادة» في إيران على حد سواء، والغرض من ذلك هو إظهار أن أوباما يقر بشرعية النظام الحالي، ويعارض فكرة دعم الوطنية الإيرانية المناوئ للنظام الخميني. أما السمة الجديدة الثانية فتتبدى من نبرة أوباما التوسلية، وذلك على أساس ما أوضحه آية الله أحمد خاتمي، بأن هذا الرجل يستجدي الجمهورية الإسلامية للانتباه إليه!

وتمثل رسالة أوباما العودة من جديد إلى سياسة إيران الخاصة بالرئيس جيمي كارتر، إذ كان الأخير مستعدا هو الآخر للإطراء والتملق، واستجداء ملالي إيران لنيل ابتسامة منهم. وينظر بعض المحللين إلى رسالة أوباما على أنها دلالة على تأثير نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن إزاء تشكيل سياسة الإدارة المتعلقة بإيران. وعلى أساس أنه من الداعمين للحوار مع إيران منذ سنوات، يبدو أن بايدن قد همش وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، التي طالما اعتنقت مبدأ اتخاذ سياسة أكثر صرامة حيال ملالي إيران. ولكن ما الذي سنفعله باستجابة إيران؟ يزعم بعض المحللين أن الجمهورية الإسلامية رفضت بالفعل النهاية المقترحة لهذه القصة. أما الآخرون التواقون إلى الترويج لأوباما على أنه ساحر سياسي، فقد أصروا على أنه أحرز بالفعل ضربة ناجحة عبر إجباره لطهران على الاعتراف بأن الكرة في ملعبها الآن.

وبنظرة أقرب إلى رد الفعل في طهران فقد تتبدى لنا صورة أكثر تعقيدا. وبادئ ذي بدء فإنه من المهم للغاية الإشارة إلى أن طهران ردت فعليا وعلى الملأ على رسالة أوباما، وبأعلى المستويات، بمن في ذلك علي خامنئي ـ المرشد الأعلى للثورة الإسلامية ـ والرئيس الإيراني أحمدي نجاد.

وعلى مدار الأعوام السابقة عمد النظام الإيراني إما إلى تجاهل رسالة الرئيس الأميركي في عيد النيروز، أو التعليق عليها فقط عبر وسائل الإعلام المملوكة للدولة. إلا أنه في هذه المرة اتجهت «القيادة» الإيرانية ـ والتي وجّه إليها الرئيس أوباما رسالته مباشرة ـ إلى الرد بصورة مباشرة هي الأخرى. واستخدم الرد الخميني المعد بعناية بالغة عددا من الأساليب الخطابية التي اتجه الملالي إلى تنميتها على مدار قرون. وتتجلى أولها في «بدلزاني»، أو عكس الآية، أي ما يعني استخدام حجج معادية ضده. ففي رسالته دعا أوباما الملالي إلى تغيير تصرفاتهم إزاء بعض القضايا، وفي رده على هذا قال خامنئي: «إذا تغيرتم فسوف نتغير أيضا»!

وتمثل الأسلوب الثاني في «دون باشي» أو «نثر الحبوب لاجتذاب الطيور»، وتعني هذه الفكرة إغراء الطيور بظاهر تقديم المزيد من الطعام لهم، فيما يؤول بهم المآل في النهاية إلى دخول القفص. وقام خامنئي بذلك عبر ذكر عدد من القضايا ذات الاهتمام بالنسبة إلى أوباما، في إيماءة إلى أنه من المحتمل أن يكون جاهزا لمناقشتها كخطوة أولى تجاه الحوار الموسع.

أما الطريقة الثالثة فهي «لابوشوني»، التي يمكن ترجمتها على أنها «إخفاء (القضية) الأساسية، وإلقاء دائرة الضوء على غيرها». واستخدم خاتمي هذا الأسلوب بحديثه عن «السباب»، وتجاهل هدف نظامه المعلن بطرد الأميركيين من الشرق الأوسط، كمقدمة لإخضاع العالم تحت مسمى المنهج الإسلامي التابع للخومينيين. ومن الواضح أن خامنئي يتمنى تشجيع أوهام أوباما المتوهمة بأن الحوار قد يفضي إلى نتائج إيجابية.

وقد يجول بخلد البعض لماذا رفض «المرشد الأعلى» عروضا مشابهة قدمها الرئيس بيل كلينتون وجورج بوش؟ ففي عام 2000 عرض الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون على إيران «المقايضة الكبرى»، وبموجبها تقر الولايات المتحدة بالجمهورية الإسلامية كقوة عظمى إقليمية، إلا أنها رفضت العرض لسببين:

الأول أن إدارة كلينتون كانت في أيامها الأخيرة، كما لم يكن «المرشد الأعلى» على يقين بأن تفي الولايات المتحدة بوعودها.

أما السبب الثاني فيتمثل في أن طهران أحرزت العديد من النجاحات الدبلوماسية الكبرى في أوروبا، ولم تشعر حينها بأنها معزولة، بل إنها تمتعت في هذا الوقت باقتصاد متعافٍ نسبيا، والفضل في ذلك يعود إلى أسعار النفط الثابتة. وفي عام 2006 كان دور إدارة بوش في أن تغلق طهران الباب في وجهها.

وقد تم رفض دعوة وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كوندوليزا رايس للحوار، على أساس أن طهران قد شعرت بأن الولايات المتحدة قد «خسرت في العراق»، وأنها سوف تتقهقر سريعا من الشرق الأوسط شاعرة بالخزي والمذلة.

وربما يكون الأكثر أهمية من ذلك أن خامنئي كان لا يثق في بوش ويخشى منه، حيث كان الملالي على يقين بأن بوش يضمر في قلبه التزاما بتغيير النظام الإيراني، وبناء عليه تبدو توقعات «الحوار» مع الولايات المتحدة أحسن حالا في ظل إدارة أوباما، بدلا من تلك التي كانت موجودة في ظل إدارتي كلينتون وبوش.

ومن أحد أسباب ذلك وجود جوي بايدن، الذي تعتبره طهران «صديقا قيما» لها، ومع ذلك يرجع السبب الرئيسي إلى قناعة طهران بأن أوباما رجل غير متمرس، وأنه سياسي ساذج، وبالتالي يمكن مسايرته على سبيل السخرية دون أدنى خطورة، وأنه تجسيد جديد لكارتر، الرئيس قليل الحظ. وتعلم طهران أن أوباما يتوق إلى الاختلاف عن إدارة بوش، وأنه مستعد للمضي قدما نحو انتزاع السياسة الأميركية بعيدا عن نهج بوش. والهدف من ذلك هو أن تستغل الجمهورية الإسلامية سذاجة أوباما حتى يتسنى لها كسب أربع سنوات أخرى من الضمان ضد أعدائها.

إن إجابة «نعم، ولكن» الخاصة بخامنئي تعطي أوباما شيئا للتفكير فيه مليا على مدار بضعة شهور، ثم يتم بعد ذلك دعوة أوباما إلى انتظار الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وتكوين إدارة جديدة في طهران، حتى إنه من المحتمل أن يطلب خامنئي من أحمدي نجاد عدم ترشيح نفسه للانتخابات من جديد، منوها بـ«المشكلات الصحية»، وسيمكنه هذا من تدبير انتصار مير حسين موسوي خامنئي، وهو زميل أذربيجاني له من نفس القرية. ومن المعروف أن موسوي خامنئي لديه تاريخ طويل من الاتصالات مع الولايات المتحدة، علاوة على أنه يتم الثناء عليه في واشنطن على أنه «وجه جديد قديم» واعد.

وسوف يرحب محبو أوباما بانتصار موسوي خامنئي في الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها شهر يونيو (حزيران)، واصفين إياه بأنه نجاح عظيم «لساحرهم» (أوباما)، وسوف يمضي أحمدي نجاد ـ المناهض الحقيقي لأميركا، والمنكر للهولوكوست ـ ويحل محله سياسي لديه اتصالات سرية مع واشنطن منذ عام 1985. (والمشكلة مع أحمدي نجاد أنه يعني فعليا ما يقول). وستملأ هذه التطورات ما تبقى من الفترة الرئاسية لأوباما، وخلال هذه الفترة سوف تمتلك طهران قنبلتها النووية، وستبسط نفوذها على العراق وأفغانستان، وستقوي من قبضتها على لبنان وسوريا، بل إنها ستمضي أيضا نحو الهجوم على الخليج وباكستان.

وحينها، إما أن يفوز أوباما بفترة رئاسية ثانية ويستمر في سياساته المشوشة، أو أن يأتي رئيس أميركي جديد، وينظر إلى نفسه أيضا على أنه من العبقرية التي ستمكنه من القيام بكل ما أخفق فيه أسلافه، ألا وهو ترويض الوحش الخميني بعذب الكلام.