مصالحة دائمة

TT

حضرت أول قمة عربية في مصر العام 1964 وعنوانها منع تحويل روافد نهر الأردن. وفوجئت أنها قمة متخاصمين، وحقيقتها المواجهة العربية ـ العربية. وكان أحدنا إذا تكلم إلى عضو في وفد قاطعته جميع الوفود الأخرى. ثم حضرت في القاهرة قمة عدم الانحياز ووجدت أن الوفود العربية تعيش في جزر متباعدة ومحصنة بالعداء. وقمة بعد أخرى كنا نرى أن ثمة خناقة عربية قائمة. ومرة جاء أحد رؤساء الدول ومعه مسدسه بدل خطابه. ومرة خاطب صدام حسين الرئيس حافظ الأسد في قمة الدار البيضاء بأسلوب لا يليق بالرؤساء ولا بالرفاق ولا بأحد. ومرة تدلل أحد الزعماء فراح يرتاح في طائرته بينما المضيف ينتظر على سلمها. ومرة رأينا رؤساء يتصرفون داخل قاعة المؤتمر مثل تلامذة المدارس الشاردين.

لذلك تعودنا أن نشعر باليأس عشية القمم. وتعودنا أن نتوقع الخلافات وتبادل التهم، والخروج من القمة والصراعات أقوى وأعمق. بل المؤسف أننا تعودنا أن يكون بعض السلوك في القمة دون القمة بكثير. بكثير جداً. وتعودنا أن يكون هناك دائماً من يخربها ويخرب عليها ويحولها إلى ملعب مدرسي يقام فيه استعراض صبياني سخيف برغم خطورة القضايا والمراحل ومدى آلام الناس وتوقعاتها وآمالها.

إننا نأمل من القمة العتيدة أن تكون غير القمم التي عرفناها منذ 40 عاماً. نأمل أن يكون القادة على مستوى قضاياهم وتوقعات شعوبهم. نأمل أن تخلو القمة من أي عرض مسرحي أو تلفزيوني. ألا يخرج القادة من المؤتمر إلا وقد اتفقوا على أن لا خلاف بعد اليوم ولا أثمان تدفعها فلسطين ولا أزمان تدفعها الشعوب العربية بسبب مزاج أو نزق أو طبع.

ممنوع نقل الخلافات إلى القمة. فقط يسمح أن تثار فيها القضايا. قضايا الأمن القومي وقضايا التعاون القومي وقضايا الخير القومي وقضايا المصير الواحد. وخصوصاً قضية فلسطين التي كانت إذاعاتها ورصاصاتها توجه إلى «العدو الصهيوني» فأصبحت مكرسة ومخصصة للعدو الفلسطيني. وكان الفلسطينيون يسقطون برصاص الإسرائيليين في المخيمات فأصبحوا يسقطون برصاص المخيمات. أو متفجراتها.

أتمنى على الملك عبد الله بن عبد العزيز، بصفتي الصحافية الأقدمية في تغطية القمم، أن يجعل من المصالحة مصالحة دائمة لا عودة عنها ولا خروج منها. وكما كانت قمة الكويت وقمة الرياض قمتيه، أن تكون قمة الدوحة قمته أيضاً.