السياسة السعودية

TT

كلمتا السعودية وثورة لا ينتميان إلى جملة واحدة، ولكن هناك تطورا ملحوظا ولافتا في الخطاب السياسي السعودي، فيه انعكاس واضح لمكانتها ووضعها في العالم العربي. فكلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أمام مجلس الشورى كانت شرحا وافيا لاتجاه بلاده الإصلاحي والتصالحي في العالم العربي، وكيف أن موضوع المصالحة العربية سيكون الهدف الاستراتيجي الأول للسياسة الخارجية السعودية مع التركيز على التشديد الكبير بمعارضتها لأي تدخل خارجي في الشأن الداخلي العربي. وبات من الواضح أن هذا التوجه أخذ الجانب العملي في حراك سعودي مشهود في أكثر من عاصمة عربية لتحويل هذا إلى حقيقة ملموسة تستفيد منها كل الأطراف المعنية. وقبل ذلك قرأ الناس تصريحات مهمة ولافتة لوزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز وهو يعلق على مسائل مهمة وحساسة في الشأن الداخلي السعودي بطريقة يوضح فيها موقف الدولة منها، والسياسات التي تنوي اتباعها، وأظهر موقف الحكومة وأجهزتها بشكل لا يقبل سوء الفهم أو التفسير الخاطئ. وبعدها ألقى أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل محاضرة مهمة بعنوان «تأصيل منهج الاعتدال السعودي»، وهو فيها كان يوضح كيف أن منهج الاعتدال السعودي يحقق الانتصارات في مواجهة الإرهاب، ولكنه في ذات الوقت يحذر أيضا من أن التطرف لا يزال موجودا ولا بد من استمرار مواجهته بحزم وقوة. وهذه ثاني كلمة مهمة للأمير خالد الفيصل بعد كلمته المعروفة التي طالب فيها بانضمام السعودية للعالم الأول، لأن السعوديين «سئموا من بقائهم في العالم الثالث». وحراك الأمير خالد الفيصل في السياسة السعودية أصبح واضحا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالذات، وتأسيسه لمؤسسة الفكر العربي، التي كانت منبرا عربيا لطرح الفكر المعتدل، وكذلك مشروعه الصحفي المتمثل بجريدة «الوطن» لطرح هذه الأفكار داخليا في السعودية ووجوده كمحرك قيادي لمؤسسة الملك فيصل الخيرية لنشر هذه الفكرة دوليا. الخطاب السياسي السعودي يتغير ويقوى مع اكتساب الثقة في نفسه وتبلور مكانته عالميا، ويأتي الدليل على ذلك بانضمام السعودية لمجموعة دول العشرين الاقتصادية كشهادة قطعية الدلالة على أن السعودية اليوم هي غير السعودية الأمس. السعودية البارحة كانت «تخجل» وتتوارى عن الأنظار، وتفضل الأداء وراء الكواليس، ولكن اليوم السعودية أخذت موقعا سياسيا مغايرا ومهما تتطلبه المستجدات والتغيرات العالمية، وهذا الدور القيادي الجديد للسعودية تأتي معه مجموعة غير بسيطة من الطموحات والاستحقاقات والأماني والمتطلبات الداخلية والخارجية. منهج الاعتدال الذي اعتقد البعض أنه موقف ضعف ثبت مع مرور الأيام أنه القوة بعينها وأن الوقت كفيل بتكريس الحقائق وإثبات ذلك للكل، حتى ولو كان موضوعا صعب الهضم في أوله. التصاريح والكلمات والخطب الصادرة من السعودية اليوم لم تعد مجرد كلمات رنانة ولكنها نهج سياسي لمرحلة سعودية «مختلفة». وكل الأمل أن يلحق ذلك المزيد من الأخبار المبهجة المصاحبة.

[email protected]