أهم رأي في إصلاح التعليم

TT

كتبت مرات عن أزمة التعليم في العالم العربي، والسعودية تحديداً، وكتب غيري معلقات عن الوضع البائس الذي يعيشه التعليم. فكل نكباتنا التي ترونها اليوم في كل المجالات سببها أولا التعليم وتطبيقاته. ومع أنني مقتنع كثيراً بالمشكل التعليمي وضرورة إصلاحه، إلا أن كتاباً صدر حديثاً هزني كثيراً وزادني قناعة. إن إصلاح التعليم مهمة صعبة لكنها ضرورة قصوى ومصلحة عليا أولى، والأهم أنها ممكنة وليست مستحيلة. الدكتور أحمد العيسى، خبير تعليمي، ومدير كلية اليمامة، أصدر كتاباً اقتنيته قبل أيام من مكتبة الساقي في لندن يعرض المشكلة التعليمية بشكل لم نستطع تقديمها في كل مقالات النقد الماضية. وأنصح من يهمه أن يعرف حقيقة التعليم المؤسفة أن يبحث عنه.

فيه يشرح لماذا أخفقت خطتا الإصلاح التعليمي في السعودية رغم كرم الحكومة، الذي بلغ في آخر محاولة درجة أنها خصصت للمشروع الإصلاحي نحو ثلاثة مليارات دولار. «إصلاح التعليم في السعودية» عنوان الكتاب يعرض مبررات الإخفاق، من سياسية إلى بيروقراطية وما بينهما. ولأن الدكتور أحمد كان عميداً سابقاً لكلية تقنية، يوضح لماذا هذا الكم الهائل من الخريجين ينتهون دائماً إلى البطالة أو الوظائف الحكومية التي تعمل كإعانة اجتماعية بلا قيمة إنتاجية. ما ذكره عن عجز الطالب في الحصول على ما يكفيه من ساعات علمية تبين سبب فشل التعليم في خدمة حاجات المجتمع، وتبين سر تخلف الطالب المحلي عن زميله الأجنبي، وتلخص قصة الفشل في اللحاق بركب الدول المتقدمة. خمسة ملايين في المدارس هم في الواقع ضحايا لنظام تعليمي قديم، يكلف الدولة مبالغ طائلة ثم يكلفها مبالغ أكثر من أجل رعايتهم كمعاقين تعليمياً بعد التخرج.

ما ذكرته يكاد يكون متفقاً عليه اليوم، فالتعليم في أزمة. وبسببه بلداننا في أزمة، لكن ما العمل؟ هذا السؤال يركز عليه المؤلف بقوله، «إن هذا الاتفاق على عجز النظام التعليمي لا تتبعه عادة نقاشات جادة من خلال طرح الأسئلة الجوهرية، بهدف تشخيص مواطن الخلل، أو تحديد أسباب تعثر مشاريع إصلاح التعليم أو تطويره، وإيضاح أسباب وقوف الجهات المسؤولة عن التعليم في المملكة العربية السعودية مكتوفة الأيدي في مواجهته، وعجزها عن إطلاق نظام تعليمي حديث متطور، قادر على إحداث النهضة الحقيقية في مناحي الحياة ومستوياتها المختلفة».

نحن نرى النتيجة تمشي على قدمين، لكننا لا نستطيع أن نحدد طبيعة المشكلة سريرياً ، ولا أن نقدم لها الوصفة الأكيدة، لهذا من المهم الاستماع إلى صاحب الرأي المتخصص، مثل المؤلف، الذي سيصدمكم بمعلوماته وإن لم يفاجئكم باستنتاجاته. ولأن الكثيرين من المهتمين بالشأن التعليمي، حتى الذين هم خارج الدائرة مثلي، اقتربوا من شبه الإجماع على أنه يستحيل أن تبنَى أمة ناجحة بدون تعليم ناجح، فإن الدعوة اليوم ليست إلى إصلاح التعليم، بل إلى التعجيل به، وجعله على رأس الأولويات.

[email protected]