سجون وقضاة وأحكام بديلة

TT

المرة الأولى التي حكم عليه بالسجن لمخالفة ارتكبها كان يرتعد من الخوف، ويلوذ بطوب الأرض لعله يجد حلا لتفادي ذلك المصير، فصورة السجن في ذهنه قاتمة، معتمة، وعذاب لا يطاق، وحينما نفذ الحكم، ودخل السجن سقط الخوف من دواخله، ووجد نفسه في السجن يرتبط بصداقات متعددة، ويقضي وقته في اكتشاف عوالم غريبة، وشخصيات مثيرة، ولذا حينما أطلق سراحه بعد انقضاء مدة حكمه لم يعد السجن ذلك المجهول الذي يخشاه، وغدا بيته ومأواه، لا يخرج منه إلا لكي يعود إليه، فالسجن الذي دخله أول مرة خائفا، حوله إلى مجرم محترف لا يقيم للسجن وزنا، ولا يلقي له اعتبارا.

في كل مرة أتذكر صحيفة السوابق التي حملها صديق الصبا طويلا قبل أن يغادر دنيانا، أرجع مسؤولية ما حدث له من انهيار أخلاقي إلى المرة الأولى التي سجن فيها، فلو طبق عليه ـ في حينها ـ حكم بديل للسجن لما بلغ هذه الحالة من التهور، لكنه السجن، السلاح ذو الحدين، الذي يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكس ما نستهدف ونريد.

اليوم ترتفع أصوات تنادي بتطبيق أحكام بديلة للسجن، كالعمل في مجالات الخدمة الاجتماعية والعمل الخيري، وهي أحكام من شأنها تهذيب الطباع، والسمو بالنفس، والانفتاح على جوانب الخير، واستشعار المسؤولية، ومنظومة الأهداف هذه ترتقي وتتفوق على غايات السجون، ويدين المجتمع لقاضي «المويه» الذي لعب دور الريادة في تطبيق الاحكام البديلة عن السجون، فاستطاع إنقاذ عدد من الشباب من تجربة السجن، ونتائجها الأليمة، وما يترتب عليها من انكسارات النفس، واستشعار الهوان. وقد أسعدني أن يسير في ركب قاضي «المويه» قضاة آخرون كقاضي شرورة، الشيخ محمد بن عبد الله السحيم، الذي أصدر قبل أسابيع حكمين بديلين في قضيتين، يقضي الأول بالحكم على ثلاثة من الشباب أدينوا في قضايا مخدرات، ومخالفات مرورية بكفالة راتب معلم تحفيظ قرآن لمدة عام بدلا من سجنهم وجلدهم، كما قضى الحكم الآخر بكفالة 3 من أيتام المحافظة لمدة عام كبديل لإسقاط نصف المحكومية.

إن السجون يمكن أن تتحول إلى بيئات محرضة على الجريمة، ودافعة إلى التردي الأخلاقي، ولا ينبغي اللجوء إلى هذه العقوبة إلا في الجرائم الكبرى، أو بعد استنفاد مختلف الوسائل، فالسجن كالكي ينبغي أن يكون آخر الدواء.

[email protected]