لا تقاسم نفوذ.. حتى لو تبدل النمر الورقي إلى آخر

TT

أثارت محاولات الاقتراب الأميركي من القيادة الإيرانية شكوكاً عن احتمالات تسليم أميركا بإيران نووية، والعمل على تقسيم النفوذ في منطقة الخليج بين إيران، الدولة المارقة وفق التوصيفات الأميركية، وغيرها، وبين مركز الثقل الخليجي. وربما تكون مؤسسات إيرانية وراء تسريب أوهام التقاسم.

وحيثما تكون التوجهات الأميركية، فإن المواقف لم تعد تتأسس وفقاً لنظريات المخططين في واشنطن، بقدر ما يجري تبني سياسة رد فعل على النشاطات والمواقف الإيرانية.

وقد تشعر أميركا بالعجز، وربما تنامى شعورها بالعجز، مؤقتاً، لكن صناع السياسة الأميركية لم يعد دورهم وحيداً، خصوصاً عندما تتعلق القرارات بمسائل مصيرية لدول مهمة لها ثقلها الدولي.

وإذ يمكن الجزم باستبعاد احتمالات تقاسم أو تقسيم النفوذ بين إيران ومركز الثقل الخليجي، من دون الخوض في تفصيلات الوصول إليه، قد يكون مناسباً الرجوع قليلا إلى واقع الدور الإيراني في المنطقة، خلال العقود الأربعة الماضية. فليس منطقياً ولا واقعياً، استثناء نظام الشاه مما حصل من تعقيدات، نتيجة تدخلات سافرة، وإن كانت انتقائية. فنظامه لم يكن مختلفاً كثيراً عما يجري اليوم، إلا بالتكتيك وعلاقاته مع الولايات المتحدة.

مسألة البحرين والجزر الثلاث وإلغاء معاهدة الحدود مع العراق والتدخل السافر في شؤونه، وكذبة الدفاع عن الشيعة العرب، والبرنامج النووي، والتحدث باستعلاء مع الجيران، وقعت كلها في زمن الشاه. ولم تتخل قيادة الثورة التي أطاحت به، عن أي منها، بل طورتها بطريقة فجة، بعيدة عن العقلانية والتروي؛ لأنها ليست محكومة بعلاقة مع الغرب تدفعها للتوازن. ولم يعد هذا التوازن محتملا مع تقدم البرامج الإيرانية ووهم الشعور بالقوة، والإيمان بالإمدادات الغيبية، التي لم يكن الشاه يؤمن بها.

يستحيل، ولولا المستحيلات في السياسة ما نشبت الحروب، توقع حصول تقاسم للنفوذ في منطقة الخليج، وذلك بسبب التناقضات الحادة في الأهداف والسلوك على ضفتي الخليج. فأهل الضفة الغربية ليسوا مولعين بتصدير أفكار ومبادئ، ولا يؤمنون بنظريات التآمر والثورات، وفي النتيجة ليس لديهم ما يُصدّرون خارج نطاق الاقتصاد. وهو توجه عقلاني ينسجم مع تطور الحياة. أما الطرف المطل على الضفة الشرقية فيختلف عن النهج الخليجي، ببرنامج يصر على تصديره، ويرى المرشد نفسه وصياً على الشيعة في العالم أينما كانوا، والأرجح هكذا يصور. وهو بذلك لم يختلف عن ادعاءات الشاه.

سنة 2006 قلت لرئيس الـ CIA، إذا ما سحبتم قواتكم من العراق في هذه المرحلة ستقدمون البلد للقاعدة على طبق من ذهب. وربما يظهر من يؤاخذني على ما قلت، إلا أن الحرب الطائفية التآمرية كانت في ذروتها والقاعدة في جبروتها، وتحولت إلى مطية للمشروع الإيراني. أما اليوم فربما يُقدمُ البقاءُ الأميركي، بحجمه وسياقاته المليئة بالأخطاء، خدمة لتعزيز الموقف الإيراني إقليمياً.

ولعلي من المقتنعين تماماً بحقيقة وهم القوة الإيرانية، فهي نمر من ورق فعلا، وبقاؤه لاعباً إقليمياً ودولياً لا يثير الدهشة فحسب، بل مدعاة لوجع رأس ناجم عن الشعور بالإحباط من طرق العلاج.

لا أقول إنهم لا يمتلكون نقاط قوة، وأبرزها الدعاية التي يصدقها من تنقصه الخبرة بهم، إلا أن نقاط ضعفهم أكثر منها بكثير، إلى حد يطيح بعناصر القوة. وليتهم كانوا أقوياء على طريق تعزيز الاستقرار، لكن من يتوقع هذا التوجه، وفق فلسفة النظام القائم، يقع في وهم كبير.

ولا أشك في أن القيادات الإيرانية المفككة والواقعة تحت تأثير أفكار مخلة بمتطلبات الأمن الدولي، عرفت كيف تستغل أخطاء آخرين، إلا أن من الخطأ تهويل دورهم في إسقاط النظام في العراق. وكل ما قيل عن دورهم في ذلك يبقى هامشياً، ولا قيمة له، وما كان ليؤثر على العراق. وما حصل كان نتيجة عمل عسكري أميركي واسع النطاق، ودليل عدم تفاعل عربي شامل بمعالجة إرهاصات غزو الكويت.

لكن النمر الورقي أصبح مقلقاً للعرب والعالم، وأكثر ما يقلق أن تقبل أميركا والغرب بإيران نووية، وما عدا ذلك، يمكن تحجيمها وترويضها لتكون عنصراً مسالماً، شريطة عدم الخضوع للابتزاز، وعدم منحها مزايا هيمنة إقليمية. وينبغي عدم الوقوع في متاهات الاختلاف في وجهات النظر الدولية. فعندما يطيل تقدير وزير الدفاع الأميركي من الفترة المحتملة لحصول إيران على سلاح نووي، ينبغي الاستماع إلى ما يقوله رئيس أركان الجيوش الأميركية من أن الفترة اللازمة أقل بكثير، وأخذ ما تقوله الاستخبارات الإسرائيلية بنظر الاعتبار أيضاً. كما أن التسليم بحصول إيران على المؤهلات العلمية والمادية لبلوغ الهدف النووي، دون الإنتاج يعد تلاعباً بالألفاظ ، ولا فارق كبيراً بين الحالتين.

من أوراق اللعب الإيرانية، زج نفسها في الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل لمحاولة تكوين بؤر مشاغلة، وينبغي الانتباه إلى الخطوة الآتية في لبنان. أما الورقة الثانية الخطيرة التي ينبغي كشف زيفها، فهي ادعاء الدفاع عن الشيعة العرب، فيما يزداد الشيعة، في العراق خصوصاً، نفوراً من دورها السلبي، وليس وارداً توقع أن يفرطوا بأمتهم انسياقاً وراء نظام يتخذ الدين غطاء لأهداف مريبة تستهدفهم أولا.

وحاولت إيران العزف على الهواجس الأميركية بنسب القاعدة إلى العرب السنة، فيما مني هذا التنظيم الإرهابي بضربات قوية في المملكة العربية السعودية، أفقدته قدرة الحركة منذ استهداف منشأة بقيق النفطية قبل أكثر من ثلاث سنوات. لذلك يكون مفيداً لو قامت الأجهزة العربية بتسريب المعلومات المتعلقة بالتعاون الإيراني القاعدي إلى وسائل الإعلام، بقدر لا يخل بأمن المتابعات، ليطلع العالم على تفاصيل يجهلها، لأن اطلاع الأجهزة وحدها لا يكفي.

وفي النتيجة، فإن ما يقال عن تقاسم نفوذ ليس إلا أوهام متآمرين، والمطلوب إيران مسالمة بدور إيجابي، لبناء عالم أفضل وأكثر أمناً.

[email protected]