في «صحتكم»

TT

عندما يتم الحديث عن الآمال والخطط التنموية لأي دولة من دول العالم الثالث يبدو بديهيا أن يشمل هذا الحديث مواضيع محورية تشتمل على القضاء والتعليم وطبعا الصحة.

وبينما يشغل موضوع الصحة وملفاتها العويصة مساحة أقل على الرغم من أهميتها الكبرى، تكون مفاجأة «سعيدة» حينما يتم الحديث عن مشكلات الصحة وعوائق تحسن خدماتها في العالم العربي. والصحة موضوع «محلي» جدا وهي بلا جدال أهم الوزارات الخدمية وأكثرها التصاقا بهاجس الناس الأهم: صحتهم. ففي مصر لا يزال الناس يتحدثون عن أكياس الدماء الملوثة التي اتهم أحد أعضاء مجلس الشعب بتوريدها، وانفتح الحديث بقوة عن غياب الرقابة وانفلات المعايير والمقاييس لمنع كارثة كهذه.

ويجري الحديث الآن عن دور الوزارة في استمرار ازدياد حالات الإصابة بأنفلونزا الطيور حتى باتت مصر الدولة الأولى في العالم بالنسبة إلى حالات الإصابة، وهذا خبر مرعب وينذر بكارثة مخيفة جدا إذا لم يتم تداركها بسرعة. وتَعرّض وزير الصحة بالبحرين والكويت ولبنان واليمن والسودان والأردن لانتقادات مختلفة من قبل، كل ذلك يوضح أن إمكانية «قبول» الخطأ والتسامح فيه بات نادرا أو قليلا.

وفوجئ السعوديون منذ أيام بتصريحات صحافية غير مسبوقة لوزير الصحة الحالي الدكتور عبد الله الربيعة وتحديدا في ما يخص مشروعا سُمّي بـ«الحزام الصحي» والذي اتضح بحسب الوزير الحالي واثنين من مستشاريه أنه «مشروع لا وجود له». ولقد كان صادما نوعية التوضيح الذي أدلى به الوزير الجديد، فهو غير مسبوق في النهج الإداري بين الوزارات بالسعودية، وإن كان التصريح قد لقي القبول والارتياح المبدئي لدى شريحة غير بسيطة من المواطنين وذلك لاعتبار هذا التصريح خطوة مكاشفة ومراجعة مطلوبة للقطاع الصحي السعودي الذي أصابه الوهن والتدهور نتيجة أخطاء إدارية هائلة تم التركيز فيها على الظهور الإعلامي والزيارات «المفاجئة» التي تحولت إلى ما يشبه مشاهد الكاميرا الخفية بدلا من التركيز على تطور القطاع والاهتمام برعاية الكوادر وتطوير البنى التحتية بشكل راقٍ ومهني.

معيار نجاح الخدمات الصحية في أي مجتمع هو تقديم الخدمة لأكبر شريحة ممكنة (المفروض للكل) بشكل سريع ومحترم مع وجود معيار للمحاسبة والكفاءة، وبغير ذلك تتحول الوزارة إلى مكان للتجارب وحقل للاجتهاد في موقع لا يحتمل أيا من الاثنين. ومن يريد أن يعرف التغيير الحادث في السعودية عليه أن يقرأ ويتمعن تصريحات وزير الصحة الحالي لأنها وقفة في مشوار الإصلاح الإداري الذي بدأ، وكل الأمل أن لا يكون هناك عودة عنه. الوزير عبد الله الربيعة اشتهر بعمليات فصل التوائم، والمطلوب أن يستمر في فصل الحقيقة عن الوهم في وزارته، وهذا وحده إنجاز يستحق من الجميع التهنئة عليه.

[email protected]