القضاء الدولي

TT

أصدر محقق دولي (ديتليف ميليس) التوصية باعتقال أربعة جنرالات في لبنان اشتباها بتورطهم في اغتيال رفيق الحريري. وأصدر محقق في القضية نفسها أمرا بالإفراج عن الضباط بعد أربع سنوات بداعي أنه لا شبهة عليهم. وأصدر محقق دولي آخر مذكرة توقيف في حق الرئيس السوداني عمر البشير لحظة يغادر بلاده إلى أي مكان، فما كان من الرجل إلا أن قام بجولات سياحية بمعدل يومي تقريبا، فيما نظرت الأمم المتحدة إلى الجهة الأخرى. في كل مكان.

ما هي جدية القضاء الدولي وما هي جدواه؟ لقد نجح الدوليون حتى الآن في عقد محاكمة واحدة كاملة هي محاكمة رجلين من ليبيا بتهمة رسم وتنفيذ كارثة لوكربي التي ذهب ضحيتها أكثر من 200 قتيل. حكمت المحكمة ببراءة واحد من الرجلين وإدانة الآخر، عبد الباسط المقراحي.

بكلام آخر، ثبت للدوليين، بعد سنوات من التحقيق، أن الذي دبر وفجر طائرة البان أميركان، وخطط لذلك، وأخذ القرار بالأمر، هو رجل واحد، أو سوبرمان خارق، يدعى عبد الباسط المقراحي. وبناء عليه حكم على الرجل بالسجن في سويسرا، حيث أصيب بالسرطان. ويطالب منذ سنوات بالإفراج عنه بداعي البراءة.

ويتساءل المرء: لماذا يبقى موظف الخطوط الليبية السابق في السجن؟ من الذي صدق أن في إمكان موظف صغير في بلد صغير مثل مالطا، أن يدبر تحميل قنبلة موقوتة على طائرة أميركية في مطار فرانكفورت؟

يحتاج القضاء الدولي إلى مزيد من الهيبة، أو على الأقل إلى القليل منها. فقد أمضى أكثر من عقد وهو يطارد جزار سربرينتسا كاراديتش، فيما كان هذا يمارس التدليك للنساء في عيادته. وكل ما فعله من تخفٍ أنه أرخى شعره الأبيض على شكل جدائل لكي يتناسب ذلك مع المعالجات الجديدة التي لجأ إليها. وعندما اعتقل ـ أخيرا ـ قال إن ذلك مخالف للاتفاق بينه وبين المبعوث الأميركي إلى يوغوسلافيا، المستر ريتشارد هولبروك. والمستر هولبروك الآن في أفغانستان. وباكستان طبعا.

عندما أوصى القضاء الدولي باعتقال الجنرالات الأربعة في لبنان هز البلد وزاده انشقاقا. وعندما أمر بالإفراج عنهم زاد الاهتزاز وتعمق الانشقاق. وفي المرتين ترك المسألة غامضة من الناحية القانونية، مكتفيا بالاقتضاب، كأنما ليس هناك بلد بأكمله يريد أن يعرف حقيقة ما يجري. وبحجة الحفاظ على سلامة الشهود، اكتفى المحققون حتى الآن بجمل عامة وتقارير مبهمة كلف إعدادها الملايين. والثابت الوحيد أن المحققين أصبحوا أكثر ثراء مما كانوا بسبب «المهمات الخارجية».