لبنان: انتخابات لتعقيد أزمة الحكم.. وليس لحلها

TT

الحملة الانتخابية المحتدمة في لبنان، تحمل على التخوف والقلق أكثر مما تدعو إلى التفاؤل والأمل. «فالمعارضون»، يمارسون خطابا سياسيا، مليئا بالاتهامات والتهديد والوعيد، مع إصرارهم، في الوقت ذاته، على «المشاركة في الحكم» مع الذين يتهمونهم بالعمالة والفساد، إن هم لم يفوزوا بالأكثرية النيابية. أما إذا فازوا بالأكثرية، فإنهم يتحدثون حينا عن إشراك «الأقلية الجديدة» في الحكم معهم، ثم يعلنون أنهم «سيطردونهم» من الحكم. وهذه المواقف المتناقضة تدل، صراحة، على مدى «حسن نوايا» حزب الله والمعارضين الآخرين..

صحيح أن المعركة الانتخابية تجري، حتى الآن، مع بعض الاستثناءات، في أجواء هادئة، لا يعكرها سوى تدني مستوى الخطاب الانتخابي عند بعض المرشحين. وسوى المبالغة في الاتهامات المتبادلة بين فريقي 14 و8 آذار. قد يكون ذلك من مستلزمات الانتخابات، أي انتخابات في العالم. ولكن المنطق البسيط يفترض بمن يرفع لواء «المشاركة»، و«الثلث الضامن»، أن يكون منسجما مع نفسه، فلا يشارك في حكومة مع الذين يكيل لهم التهم بالشكل الذي يفعله، الآن. وهنا يبدو فريق 14 آذار أكثر انسجاما مع نفسه ومع الديمقراطية والنظام البرلماني، عندما يقول بأنه في حال خسارته الأكثرية النيابية سوف ينتقل إلى المعارضة ويترك الأكثرية الجديدة تحكم.

إن ما يجري في لبنان، اليوم، ليس بمعركة انتخابية لبنانية عادية، بل هي معركة مرتبطة بالنزاعات الدائرة في المنطقة، ارتباطا مباشرا ومتأثرة، بالتالي، بتطور هذه النزاعات. وهي إلى حد بعيد، مفصلية، إذ يتعلق بنتائجها إما بقاء لبنان في معسكر الاعتدال العربي، أو انتقاله إلى معسكر الممانعة والمقاومة. مع كل ما يترتب على هذا الموضع أو ذاك، من مفاعيل وتداعيات وأثمان.

لقد أحدث عزوف مرشح الأكثرية السابق لرئاسة الجمهورية، نسيب لحود، عن خوض المعركة الانتخابية في قضاء المتن، أسفا وطنيا عاما وقلقا في أوساط مؤيدي فريق 14 آذار. بالإضافة إلى بعض التصريحات التي أدلى بها رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، ـ (ثم نفاها أو وضحها) ـ ومست مشاعر الموارنة. ولكن فريق 14 آذار ما زال متماسكا وقادرا على الحصول على الأكثرية في المجلس النيابي المقبل أو على الأقل، وبالتعاون مع «المستقلين»، حرمان فريق 8 آذار من الحصول على الأكثرية التي تمكنه من الحكم. ولكن المسألة ليست هنا. بل هي في ما سيفعله حزب الله وحركة أمل ونواب التيار العوني، إن لم يفوزوا بالأكثرية؟ لقد فتح فريق 14 آذار أمامهم باب المشاركة في الحكم، ولكن بدون ثلث معطل، فهل سيقبلون بذلك؟ أم أنهم سيلجأون إلى ما لجأوا إليه قبل مؤتمر الدوحة، أي تعطيل المؤسسات واحتلال الساحات وإحراق الدواليب وتكرار عملية 7 أيار؟

إن كل هذه «المعطلات» الحزبية – الطائفية، للديموقراطية وللحياة الدستورية البرلمانية ما كانت لتفعل فعلها، لو لم يكن حزب الله يملك ترسانة حربية وميليشيا مسلحة، تعادل، إن لم تكن تتفوق على الجيش أو قوى الأمن الحكومية. ولو لم يكن حزب الله وحركة أمل يحتكران التكلم باسم الطائفة الشيعية. والمشكلة هي في أن إبعادهما عن الحكم يخل بميثاق الوفاق الوطني، وأن إشراكهما يؤدي إلى تعطيل الحكم الدستوري البرلماني.. وحاول أن تفهم، وأن تختار؟!

لقد مرت وزيرة الخارجية الأميركية ببيروت، مؤخرا، لتؤكد للبنانيين أن الولايات المتحدة «لن تتخلى عن لبنان الديموقراطي» من جراء انفتاحها على سوريا وإيران. وهي لم تكن بحاجة إلى هذا التطمين. فالانفتاح على دمشق وطهران، شيء، وتسليم لبنان والمنطقة إلى الحلف الإيراني ـ السوري وامتداداته (حماس، حزب الله).. شيء آخر. وأما فوز فريق 8 آذار في الانتخابات اللبنانية، رغم هذه التطمينات الأميركية والأوروبية والعربية، فإنه سوف يضع أصدقاء «لبنان السيد المستقل الحر الديموقراطي»، العرب والغربيين، في موقع حرج وصعب. فبالإضافة إلى أنه سيعطي طهران ودمشق أوراقا جديدة في حوارهما مع واشنطن، فإن من شأن حكم لبنان من قبل حزب الله والأحزاب الموالية ل سوريا، أن يطرح مشاكل أساسية حول مصير لبنان، ونعني: علاقاته بالدول العربية والغربية التي تقدم له المساعدات المالية وأسلحة للجيش اللبناني. وماذا بشأن قرارات مجلس الأمن المتعلقة بجنوبي لبنان؟، فبدون هذه المساعدات والاستثمارات الخارجية، قد ينهار الاقتصاد اللبناني برمته.

إن حزب الله وحركة أمل يحتكران التمثيل الشيعي في المجلس، ولكنهما لن يستطيعا الفوز بالأكثرية أو بالثلث المعطل إذا لم يحقق التيار العوني فوزا كبيرا في تمثيل الموارنة، كالذي حققه، عام 2005. وكثيرون هم الذين يراهنون على هذا التغيير في الأوساط المسيحية بعد تحالف الجنرال عون مع حزب الله و سوريا وإيران. فهل سيعطي الناخبون الموارنة، تخصيصا، والمسيحيين، عموما، أصواتهم لمرشحي 14 آذار الذين يعبرون، فعلا، عن أمانيهم ومخاوفهم، ويساعدون بذلك على تعزيز الاستقلال وبناء الدولة الحديثة ؟ أم أنهم سينجرفون، مرة أخرى، في تيارات سلبية ويقترعون بعواطف مستثارة وردات فعل طائفية معكوسة؟!

إن قلقا كبيرا يعتري قلوب اللبنانيين، عشية الانتخابات النيابية، وربما تحول القلق إلى هلع، في اليوم التالي لإعلان نتائجها. وأيا كانت هذه النتائج.