السياسة الواقعية لإيران

TT

من وجهة نظر محمد البرادعي ـ رئيس وكالة الطاقة الذرية ـ بدد «الجهل والغطرسة مجتمعين» خلال عهد إدارة بوش فرصا دبلوماسية لا حصر لها مع إيران، مما أتاح لها المضي قدما في برنامجها النووي.

وبالإشارة مرتين إلى ديك تشيني على أنه دارث فادر (شخصية سينمائية خيالية في سلسلة أفلام حرب النجوم الأميركية)، أخبرني البرادعي في مقابلة معه أن: «السياسة الأميركية تتألف من تركيبتين هما: لا يتعين أن تحصل إيران على المعرفة الخاصة بأجهزة الطرد المركزي، ولا يجب حتى أن تدير واحدا منها، ودائما ما كانوا يقولون: مهلا، إن إيران ليست مثل كوريا الشمالية، فهي سوف تستجيب. وكان هذا خطأ تماما».

وقال البرادعي إنه بدلا من البناء على المساعدة التي قدمتها إيران في أفغانستان عام 2001، واستكشاف عرض «المقايضة الكبرى» الإيراني عام 2003، أو دعم الوساطة الأوروبية عام 2005 والتي توقفت على الموافقة الأميركية على بيع مفاعل الطاقة النووية الفرنسي، خرج علينا «دارث فادر ومجموعة أخرى تقول إن إيران ضمن محور الشر وإنه يجب علينا تغيير النظام».

وقد قال البرادعي إن نتيجة ذلك أنه بدلا من احتواء البرنامج في عشرات قليلة من أجهزة الطرد المركزي، فإن إيران لديها الآن ما يقارب 5500 جهاز للطرد المركزي، كما أن لديها 1000 كيلوغرام من اليورانيوم ضعيف التخصيب، كما أن لديهم المعرفة الكيفية». ومع ذلك، رفض فكرة أن تتمكن إيران من «تصنيع السلاح (النووي) غدا»، وعلى سبيل الخداع، أومأ إلى أن طهران بحاجة إلى إطار زمني للحصول على القنبلة النووية يتراوح ما بين عامين وخمسة.

ولنتخيل لو كان روزفلت عام 1942 قال لستالين: آسف جوي، إننا لا نحب أيدلوجيتكم الشيوعية، وبناء عليه لن نقبل مساعدتكم في سحق النازية. وأنا أعلم أنكم أقوياء، إلا أننا لن نتعامل مع الشر.

إن هذا يماثل تقريبا مستوى الغباء الذي وصل إليه بوش عبر حصره للثيوقراطية الإيرانية ضمن دول محور الشر، وإخفاقه في استكشاف كيف كان في إمكان تلك الدولة المساعدة في حربين، وفي الشرق الأوسط الموسع وقتما كان الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي على رأس السلطة.

ونادرا في تاريخ الدبلوماسية الأميركية ما لعبت الاستبدادية الأخلاقية بورقة الواقعية الرابحة إلى هذا الحد المدمر. لقد منح بوش قوة زائدة لإيران دون أن يسترق حتى النظر إلى كيف يمكن لذلك أن يخدم الأهداف الأميركية.

وبناء عليه، وعلى أساس امتلاكها لآلاف أجهزة الطرد المركزي، حازت إيران على ما كانت تتوق إليه دوما: ألا وهو اعتراف إدارة أوباما بالنظام، والتخلي عن التهديدات والمطلب الذي ينص على تعليق تخصيب اليورانيوم كشرط لانضمام أميركا وباقي القوى العظمى في مباحثات نووية مع إيران.

ويعد هذا مفيدا، فثمة حاجة حاليا إلى الواقعية الأميركية، حيث يتعين عليها أن تلتفت إلى وجهة نظر البرادعي، والتي قال فيها: «لا أعتقد أن الإيرانيين عقدوا العزم فعليا على المضي في تصنيع السلاح النووي، إلا أنهم عازمون تماما على الحصول على هذه التقنية، لأنهم على قناعة بأنها تمنحك القوة، والهيبة، وسياسة التأمين».

وأعتقد أنه تقريبا من المتأخر للغاية بكل تأكيد وقف إيران عن الوصول إلى وضع القوة النووية الحقيقية، وهي شيء على غرار التفوق الياباني والبرازيلي، وعلى غرار معرفة طبيعة التقنية، لكن دون امتلاك السلاح في حد ذاته.

ولا يمكن بصورة فعلية حل وتدمير التطورات التي وصلت إليها إيران على مدار الثمانية الأعوام الماضية، وما يمكن لنا تغيير مساره هو السياق الذي تعمل عليه إيران، وسيحدد هذا بدوره كيف ستبقى إيران بصورة «فعلية».

ومن المسارات المغيرة، كانت دعوة أوباما إلى عالم خال من الأسلحة النووية: ومن الصعب المطالبة بمنع الانتشار النووي دون معالجة مشكلة نزع السلاح. وفي هذا الصدد قال البرادعي الحائز جائزة نوبل للسلام عام 2005، والمنتظر أن تنتهي فترته الرئاسية للمنظمة في وقت لاحق من هذا العام: «لا يمكن أن يكون لديك 9 دول يخبرون دولا مثل إيران أن الأسلحة النووية خطرة بالنسبة إليكم، فيما نحتاج نحن إلى تحسين ترساناتنا. إنه عالم مختلف».

ويرى البرادعي أن هناك حاجة إلى عامين من المحادثات الإيرانية ـ الأميركية، وذلك على أساس درجة انعدام الثقة بينهما، وخلالها «يتم طرح كل شكوى على الطاولة».

وإليكم سيناريو للتطبيع:

أن توقف إيران وتتخلى عن دعمها العسكري لحماس وحزب الله، وتتبنى النهج الماليزي حيال إسرائيل (أي عدم الاعتراف بها ككيان، وعدم التدخل أيضا)، وأن توافق على العمل لفرض الاستقرار في العراق وأفغانستان، والقبول بإثبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية الوسيط بأن البرنامج النووي المحدود معد فقط للأغراض السلمية، والتعهد من جانبها بمحاربة إرهاب القاعدة، والالتزام أيضا بتحسين سجل حقوق الإنسان الخاص لديها.

ومن جانبها، تلزم الولايات المتحدة نفسها بأمن الجمهورية الإسلامية، وتقر بدورها الإقليمي المهم، وأن تقبل بحق إيران في تشغيل منشأة محدودة للتخصيب مع مئات من أجهزة الطرد المركزي المعدة للأغراض البحثية، والموافقة على حصول إيران على مفاعل جديد للطاقة النووية من فرنسا، والتعهد بإعادة إيران إلى منظمة التجارة العالمية، وإعادة الأصول الإيرانية المصادرة، ورفع جميع العقوبات، والإشارة إلى البيانات الإيرانية السابقة بأنها ستصادق على قبول حل إقامة دولتين تعيشان جنبا إلى جنب للفلسطينيين.

وأي اتفاقية على هذا الغرار من شأنها أن تفضي إلى تغيير قواعد اللعبة، وأن تكون تحولية مثل تلك المتعلقة باتفاقية نيكسون مع الصين (وهي دولة قمعية أخرى لديها سجل سيئ في ما يتعلق بحقوق الإنسان). ومع ذلك، يمكن لمثل هذه الاتفاقية أن تخرج في أي وقت عن مسارها مع احتمالية شن إسرائيل هجوما على إيران، وذلك على أساس إيضاحها من قبل أنها لن تقبل بحصول طهران على وضع القوة النووية بصورة حقيقية، رغم عدم فعالية رؤوسها النووية.

وأفاد البرادعي: «ستكون إسرائيل مجنونة بكل ما تحويه الكلمة من معنى إذا هاجمت إيران، ويعتريني القلق جراء ذلك، حيث إنها ستحول المنطقة إلى كرة من نار، وستضع إيران في مسار متعجل للحصول على الأسلحة النووية بدعم من العالم الإسلامي ككل».

ولتفادي حدوث هذا الكابوس، يجب على أوباما أن يكون أكثر صرامة مع إسرائيل، أكثر من أي رئيس أميركي آخر في السنوات الأخيرة، لقد حان الوقت لذلك.

* خدمة «نيويورك تايمز»