هل ينسحب الأطلسي من أفغانستان لإنقاذ باكستان؟

TT

قد يسبق الاهتمام الأميركي بباكستان البحث عن مخرج من أفغانستان. البلدان متورطان مع وضد بعضهما البعض، ويمكن للأميركيين ولقوات حلف الأطلسي الغرق في مستنقعهما.

توجه الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري إلى واشنطن هذا الأسبوع للقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما. يسبقه ما قدمه من تنازلات لطالبان وما يمكن أن يحمل ذلك من تبعات على باكستان كلها. ففي السنتين الأخيرتين تراجعت الدولة الباكستانية كثيرا أمام هجمات الجهاديين الباشتون المنطلقة من منطقة الحدود الشمالية الغربية. وكان توقيع زرداري في السابع عشر من فبراير (شباط) الماضي على التنازل عن وادي سوات لحكم طالبان، بما يُعرف باتفاق مالاكاند، اعترافا بفشل الدولة وطعنا لأسسها. ذلك أن دولة باكستان منذ قيامها قاومت بضراوة طلبات مقاطعات الأقليات بالحكم الذاتي. وإعطاء الشرعية لنظام طالباني لمنطقة سوات، يسهل «طلبنة» أجزاء أخرى من باكستان ويقوي نزعة الانفصال لدى البلوش.

قبل أن تبدأ القوات الباكستانية عملياتها ضد مقاتلي طالبان التي تمددت إلى منطقة بونير، كانت أمام خيارين:

إما أن تقاتل الجهاديين الآن وتحصر الصراع في مناطق الباشتون في الشمال الغربي، أو تنتظر لتقاتلهم عندما تزداد قدراتهم ويضربون في قلب مقاطعة البنجاب، كما هدفهم.

تدهور الوضع الأمني في باكستان، والضغوط المتزايدة من الولايات المتحدة دفعت الدولة إلى اتخاذ قرار الهجوم. لكن ليس واضحا ما إذا كانت إسلام آباد تملك الإرادة السياسية لشن هجوم شامل يطال سوات.

إن دولة باكستان واقعة بين أمرين متناقضين: تقول: إنها تريد محاربة «السيئين» من طالبان، في وقت تحافظ على نفوذها على «الجيدين» منهم. التمييز بحد ذاته مشكلة، لأن نقاط التقاء الجيدين مع السيئين كثيرة ومتشابكة ومعقدة. والمشكلة التي تواجهها إسلام آباد في هذا المجال، تشكل نموذجا لما ينتظر إدارة أوباما في جهودها للتعامل مع الطرف «الجيد» من طالبان أفغانستان، ومواجهة «السيئين» منهم.

حتى الآن، اندفعت القوات الباكستانية في عملياتها بهدف رسم خط في مكان ما، يُمنع على طالبان باكستان عبوره.

ليس سرا أن جهاز الاستخبارات العسكرية الباكستانية انشأ وجند «الجهاديين» المتطرفين لاستعمالهم في صراعات باكستان مع الهند وأفغانستان. لكنه لم ينشئ مجموعات أخرى لقمعهم أو مواجهتهم. ويفتقد الجيش الباكستاني التدريب والآليات لمواجهة عصيان داخلي، ولم يضع كبار الضباط في خططهم إمكانية خوض حرب أهلية مع ميليشيات أنشأوها لزعزعة الاستقرار أو لتهديد الهند وأفغانستان. وحتى لو توفرت للقوات الباكستانية قدرات عسكرية متطورة، فمن الصعب عليها القضاء على ظاهرة طالبان. وكل ما يجري في باكستان عبارة عن نموذج لما يواجهه الأميركيون ودول الأطلسي في أفغانستان، حيث يستكشفون احتمالات مصالحة سياسية على أمل القضاء على تمرد وقتال الجهاديين.

وبالرغم من استبعاد مثل هذه النتيجة، لأسباب كثيرة، إذ كشفت طالبان عندما تمكنوا من سوات عن رغبتهم في التمدد باتجاه إسلام آباد وأبعد، والوضع أوسع في أفغانستان. لكن افتراضا أن الهجوم الباكستاني الأخير سيدفع طالبان باكستان إلى التسوية مع الحكومة، فإن الترتيبات السياسية النهائية في باكستان ستختلف كثيرا عن أي ترتيبات ولو بعيدة الاحتمال قد تبرز في أفغانستان. إذ لا يوجد في الأخيرة الاختلافات الثقافية الواسعة القائمة في باكستان ما بين الباشتون المنتشرين في المناطق القبلية شمال غربي الحدود، وما بين البنجاب والسند نبض باكستان الحقيقي. وبالتالي تعرف طالبان باكستان أن طالبان أفغانستان سينتهون بحصة أكبر في الكعكة السياسية الأفغانية.

مع ازدياد الأوضاع تدهورا في باكستان، خصوصا بعد توقيع اتفاق مالاكاند، يعيش صناع القرار في إدارة باراك أوباما وكبار العسكريين الأميركيين ما يشبه الرعب من أن يتحقق كابوس سقوط دولة نووية في اللا استقرار. وقبل وصول زرداري إلى واشنطن عملت الإدارة على الضغط على الكونغرس الأميركي للإسراع في رصد مبلغ ملياري دولار كمساعدات عسكرية واقتصادية لإسلام آباد.

يوم الأحد الماضي، وفي حديث إلى الـ«بي. بي. سي»، اتهم وزير الداخلية الباكستاني أفغانستان بأنها تسلح طالبان باكستان. وتساءل كيف يمكن لمنطقة فقيرة جدا أن يكون مع أبنائها أسلحة متطورة من صواريخ مضادة للطائرات، وأجهزة لاسلكية ووسائل اتصال حديثة. طبعا ردت أفغانستان بالنفي.

المثير أن اتهامات وزير داخلية باكستان جاءت بعدما اعتقل الجيش الأفغاني جهاديين باكستانيين في مقاطعة هلمند الأفغانية، اعترفوا بأنهم تدربوا في كاراتشي وكويتا عاصمة بلوشستان، وأعطوا تفاصيل عن زعمائهم الباكستانيين وأنشطتهم وكيف أنهم يملكون مؤسسات دينية ضخمة في باكستان ويتحركون بكل حرية.

كان يمكن إنقاذ هؤلاء وعدم تسليمهم من قبل الجيش الأفغاني لقوات الأطلسي، لو أن صفقة تم التفاوض عليها قد تمت.

ذلك أن التعاون بين الجيش الأفغاني وطالبان شبيه بتعاون بعض أقوياء الاستخبارات الباكستانية مع طالبان، إذ هناك ترتيب بين طالبان والجيش في جنوب أفغانستان خصوصا في مقاطعات خوست، باكتيا، باكتيكا، هلمند وغزني. في ظل هذا الترتيب تدخل فرق من الجيش الأفغاني إلى مناطق طالبان ويدفعون ثمن بقائهم على قيد الحياة، فيقومون بتسليم ما لديهم من أسلحة وذخائر وصواريخ إلى طالبان ثم يبلغون لاحقا أنهم خسروها أثناء مواجهتهم مع طالبان. لكن، إذا صدف أن اعتقل الجيش الأفغاني مقاتلين من طالبان فإنه يطلب مالا لإطلاق سراحهم، وإذا كان المعتقلون باكستانيين أو غير أفغان، فإن المفاوضات على سعرهم تأخذ وقتا أطول، ولا يغامر الجيش الأفغاني إذا كان الملقى القبض عليهم من طالبان، أفغانيين. في هذه الحالة، إما يتم الإسراع في التوصل إلى صفقة ويُطلق سراحهم، أو يتم تسليمهم خلال أيام قليلة إلى قوات الأطلسي.

مع اعتقال المجموعة الباكستانية الأخيرة في مقاطعة هلمند، طالت المساومة، الجيش الأفغاني طلب مبلغ 200 ألف دولار مقابل إطلاق سراحهم. الوسيط الطالباني اقترح أولا مبلغ 25 ألف دولار، ولما عاد باقتراح 125 ألف دولار، كان الوقت سبقه وتم تسليم هؤلاء إلى قوات الأطلسي.

مع اعتقال هؤلاء في منتصف شهر ابريل (نيسان) الماضي، وتمدد طالبان إلى بونير باتجاه إسلام آباد طرحت الإدارة الأميركية تساؤلات كثيرة حول كفاءة الحكومة الباكستانية. رئيس الأركان الأميركي الأدميرال مايك مولن زار باكستان مرتين خلال عشرة أيام والتقى رئيسها زرداري ورئيس وزرائها يوسف رضى جيلاني وقائد جيشها الجنرال اشفق برويز قياني، والأهم أنه التقى زعيم المعارضة نواز شريف رئيس حزب الرابطة الإسلامية. كانت رسالة مولن واضحة: أن الوقت لم يعد إلى جانب باكستان.

من جهتها، وفي شهادة أمام الكونغرس الأميركي انتقدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الحكومة الباكستانية بشدة، وفي أنباء نشرتها صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية، صارت كلينتون ومبعوث الرئيس الأميركي إلى باكستان وأفغانستان ريتشارد هولبروك على قناعة بضرورة التقرب من نواز شريف الذي لديه نفوذ على الإسلاميين.

الحديث في إسلام آباد قبل توجه زرداري إلى واشنطن، أن نواز شريف وافق مبدئيا على أن ينضم إلى حكومة يقودها حزب الشعب الباكستاني (حزب الرئيس زرداري). وعبر عن استعداده للمشاركة في مواجهة طالبان. وإذا رفض واحد من الاثنين (زرداري أو شريف) التوصل إلى تأليف حكومة موحدة، فقد تدفع واشنطن لتسهيل تشكيل حكومة انتقالية من التكنوقراط في ظل التهديد بإمكانية سيطرة الجيش على الحكم.

احتفل الرئيس الأميركي أوباما بمرور مائة يوم على حكمه من دون وقوع أي حادث ضخم كما كان يتمنى نائب الرئيس السابق ديك تشيني، لكن، أثناء الحملة الرئاسية قال نائب الرئيس الحالي جو بايدن: «سجلوا كلماتي، لن تمر ستة أشهر قبل أن يمتحن العالم باراك أوباما». ويمكن أن يأتي الامتحان من باكستان في هذه الفترة وليس من إيران. بكلمات أخرى، هناك منطقتان على حدود أفغانستان يمكن أن تخرجا عن سيطرة الحكومة الباكستانية وتنسفان بالتالي استراتيجية أوباما لمعالجة الوضع الأفغاني.

إن القتال في مناطق الباشتون والبلوش يهدد طرق الإمدادات العسكرية ويضاعف من الصعوبات التي تواجهها القوات الأميركية والأطلسية لتسوية الأوضاع في أفغانستان. ثم، إذا شعرت طالبان أفغانستان أن طالبان سوات يتفوقون، يمكنهم أن يصروا على عدم التفاوض مع حكومة كابل قبل انسحاب كل القوات الغربية من أفغانستان. وهذا يعني إما أن تستعد هذه القوات لصراع طويل في أفغانستان أو للانسحاب منها لحماية.. باكستان!