ع «القاعدة» ونص!

TT

القاعدة وحركة طالبان تستعيدان عافيتهما وتواصلان التقدم في وادي سوات بباكستان وذلك بحسب الأخبار المتناقلة التي تشير إلى أن زخما شديدا لصالح الفكر المتشدد يجري تجييشه وتجنيده من جديد. والقاعدة وحركة طالبان هما تواصل واستمرارية لحركات أخرى تحمل أسماء مختلفة ولكنها في الأخير لها نفس التوجه، وإلا في حقيقة الأمر من الذي يستطيع أن يفرق بينهما وبين حركات التكفير والهجرة، والجهادية وجيش طيبة وفتح الإسلام وأهل السنة والجماعة الإسلامية وغيرها؟ أدوات التنفيذ واحدة وفكرة تكفير المجتمع والخروج على الحاكم وتنفيذ كل ذلك بالسلاح والقتل مهما كان الثمن مسائل يتفق عليها كل هذه الجماعات المتطرفة، مما يؤكد أن الموضوع أعمق بكثير من مجرد التصدي لأعراض العلة الظاهرة. فهذه الجماعات «بنت» فكرها وعقيدتها على مقولات وآراء وأفكار وبنى أساسية معينة كانت التربية الأولى التي بنيت عليها ثقافة العنف والتشدد هذه، وطالما لم يتم الدخول إلى قلب النخاع الشوكي للتطرف نفسه كعقيدة وفكر وبقي التعرض للأعراض، فسيستمر الوضع على معالجة أعراض السرطان وإهمال الورم نفسه الذي يعاود الظهور مجددا ليحدث الأضرار في الجسد الكبير بلا رحمة ولا هوادة، مما يؤدي إلى الوهن والهلاك السريع. والمجموعات المتطرفة لا تزال تستمد مشروعيتها وتغذي أفكارها من «إرث» علمي هائل يغذي هذه التوجهات بآراء وفتاوى جاهزة هي بيت القصيد، وهي موقع المعركة الكبرى الأخيرة التي لم يجرؤ على دخولها للآن كل من واجه الحملات الإصلاحية والمواجهات العسكرية مع الجماعات المتطرفة هذه. والخوف من هذه المواجهات وما يكون بسبب أن التعرض لآراء وفتاوى وأقاويل العلماء لا يجوز ولا يصح عملا بمقولة أن العلماء «لحومهم مسمومة» وبالتالي لا داعي للخوض فيما قالوا أو التعرض لذلك، وطبعا هذا كفيل بوقف أي جهد إصلاحي حقيقي من الجذور في تقويم الفكر والآراء الهدامة التي يدفع ثمنها أجيال وراء أجيال. وهذا يفتح المجال لطرح أسئلة صعبة وجريئة وهي: من هم العلماء، وهل كل العلماء سواسية، وهل للعلماء عصمة؟ والتراث الفكري الإنساني عموما والإسلامي منه تحديدا مليء بالكثير من الحالات التي حصل فيها مراجعات جادة لبعض الآراء من قبل بعض العلماء أنفسهم، وبالتالي فكرة التراجع عن الرأي واردة والأساس الشرعي فيها هو المصلحة وما تناقض أو تعارض مع المصلحة لا يؤخذ به. وطبعا هناك مقولة الإمام مالك رضي الله عنه والتي باتت قاعدة علمية مفصلية في مسألة مصادر الإفتاء حين قال «كل يؤخذ من قوله ويرد منه إلا صاحب هذا القبر» في إشارة للرسول صلى الله عليه وسلم.

مرحلة المواجهات القادمة مع التيارات المتطرفة والعنيفة في العالم الإسلامي تحتاج إلى «العلاج الكيماوي»، وهي مرحلة تستدعي تنقيحا للكثير من الآراء والفتاوى والكتب المتداولة والتي فيها تحريض صريح على الغير والخروج على الدولة والحاكم وتكفير المجتمع وإخراج المخالف عن الملة والدين، وشرح مفاهيم «غريبة» لفكرة الولاء والبراء ولوضع المرأة وغير ذلك من المواضيع التي لا ينتج عنها سوى ولادة مجتمع مهزوز ومضطرب ومتشنج، وفي حالة ريبة وشك وقلق وخوف وهلع لا ينقطع من كل ما يجهل ولا يعرف بالتالي تنتج عنها ردود فعل حادة وعنيفة جدا. المواجهة الأخيرة مطلوبة وهي التي ستحقق القفزة الكبرى في التعاطي والتعامل مع الفكر المتطرف.

[email protected]