أزمة التقاعد

TT

منذ أن ولدنا تقريبا، يتهم الناس الجيل المولود في الفترة التي كثرت فيها المواليد (بعد الحرب العالمية الثانية) بأنهم دائمو الشكوى. ولكن انتظر حتى نصل إلى سن التقاعد لتكتشف أنه لا يوجد معنا مال كافٍ تقريبا يتيح لنا الاهتمام بـ«أعوامنا الذهبية»، وستكون هذه التجربة الأكثر صعوبة يمر بها جيل.

كنت أجمع بعض البيانات عمّا أطلق عليه «أزمة التقاعد»، ولجأت في استشاراتي إلى يوجين لودويغ، رئيس شركة «برومونتور فاينانشال غروب» للاستشارات، وزميله مايكل فووت. وتظهر الأرقام فجوة مخيفة بين ما يدخره الناس للتقاعد وما سوف يحتاجون إليه، ولا تأخذ الكثير من هذه الدراسات في عين الاعتبار الانهيار المفاجئ الذي مُنيت به البورصة خلال العام الماضي، وهو ما يجعل الأزمة في حال أسوأ.

ولنبدأ بحقيقة أساسية تقول إن نحو نصف الأميركيين فقط لديهم خطط تقاعد يرعاها أصحاب العمل، وسيكون على المواطنين الآخرين الاعتماد على نظام الأمن الاجتماعي. وبالنسبة للعامل النموذجي من الجيل (المولود بعد الحرب العالمية الثانية)، فإن ذلك يعني الحصول على مساعدات شهرية قيمتها نحو 2.400 دولار في سن تقاعد يبلغ 66 عام 2020. وعلى مثل ذلك لن يكون في مقدور المرء تحمل الكثير من أكواب القهوة باللبن التي تنتجها «ستار بكس».

ولكن، دعنا نفترض أن العامل المتوسط من بين العمال المحظوظين الذين يتمتعون بمعاش يرعاه صاحب العمل. منذ فترة ليست بالبعيدة كان سيعني ذلك في المعتاد «إعانات معاش محددة» في سن التقاعد، وكان لدى نحو 80 في المائة من الموظفين في الشركات المتوسطة والكبرى مثل هذه الخطط عام 1985، حسب ما تفيد به بيانات وزارة العمل. وبحلول 2000 فإن عدد المستفيدين من ذوي الإعانات المحددة بلغوا في المجمل 36 في المائة فقط، وما حدث هو أن الموظفين بدأوا في الاستثمار والمخاطرة في الوقت الذي تحول فيه أصحاب العمل إلى صيغ «مساهمات محددة». ويساهم أصحاب العمل في الوقت الحالي في خطط (k) 401 التي يديرها الموظفون.

ولسوء الحظ، لا يقوم الموظفون في الأغلب بعمل جيد كما هو الحال مع المستثمرين، فهم يتقالّون احتياجاتهم بعد التقاعد، ويقللون من التمويل الذي يخصصونه لخطط (k) 401 الخاصة بهم.

ما أسوأ ما يقوم به المولودون في هذه الفترة فيما يتعلق بالتخطيط المالي! إنه أمر سيئ للغاية، في رأي أناماريا لوساردي وأوليفيا ميتشل من المكتب القومي للأبحاث الاقتصادية، فقد خلصت الاثنتان إلى أن أكثر من ربع أرباب عائلات هذا الجيل لا يفكرون في التقاعد إلا في القليل من الوقت، وأن الأمية المالية بين المولودين في هذه الفترة «متراجعة بصورة تدعو للحذر». ولا يمكن للنصف أن يقوموا بعملية رياضية بسيطة (اقسم مليوني دولار على خمسة)، وأن أقل من 20 في المائة يمكنهم أن يحسبوا الفائدة المركبة. وخلصت الباحثتان إلى أنه بدءا من 2004 كانت العائلة النموذجية من هذه الفئة لديها أكثر من نصف ثروتها في صورة أسهم إسكان. يا حسرتاه.

ولنظرة أقرب على أزمة التقاعد يمكن النظر إلى دراسة نشرتها الشهر الماضي خدمة البحث بالكونغرس، قام باتريك بورسل بتحليل البيانات الحديثة بشأن تمويل المستهلكين التي جمعها المصرف الاحتياطي الفيدرالي، ووجد أنه بالنسبة لـ53 في المائة من العائلات التي لديها حساب تقاعد على الأقل، فإن مجموع الرصيد المعتاد كان 45.000 دولار وحسب.

تقول انتظر، فهذا الرقم يشمل بعض العمال الشباب الذين لم يبدأوا الادخار بصورة جدية بعد. حسنا، بالنسبة إلى الأسر التي يوجد على رأسها أفراد في الشريحة العمرية من 55 ـ 64 عاما، فإن القيمة المتوسطة لحسابات التقاعد في المجمل كان 100.000 دولار. وأشار بورسل أنه بالنسبة لرجل يبلغ من العمر 65 عاما يتقاعد الشهر الماضي، فإن 100.000 دولار سوف تتيح دخلا تافها شهريا يبلغ 700 دولار على مدى الحياة بناء على معدلات الفائدة في الوقت الحالي.

وهنا المزيد من الأخبار غير السارة، فبيانات المصرف الاحتياطي الفيدرالي التي استخدمها بورسل في دراسته جمعت في 2007، ومع تراجع البورصة منذ هذا الحين فإن أرصدة الحسابات في المتوسط قد تكون أقل في الوقت الحالي.

ماذا سوف يحدث؟ بالتأكيد سوف يحاول المواطنون ادخار المزيد، ولكن ظني، على ضوء معرفتي لطبيعة جيلي، هو أننا سنتحاج خطة إنقاذ حكومية من أجل استكمال مدخرات التقاعد لدينا، الهزيلة للغاية. ولسوء الحظ فإن وزارة الخزانة لن يكون لديها المال الكافي لتمويل إعانات الرعاية الصحية، ناهيك عن زيادة الأمن الاجتماعي.

ويظهر استطلاع نشره في يناير (كانون الثاني) المعهد القومي لأمن التقاعد القلق الموجود إزاء هذه القضية، وبسبب الركود فإن 83 في المائة ممن استطلعت آراؤهم قالوا إنهم يشعرون بالقلق إزاء تمتعهم بتقاعد آمن، ومن هؤلاء الذين لديهم حسابات (k) 401، فإن النصف تقريبا رأوا أنه سيكون لديهم مال كافٍ كي يتقاعدوا. وقال 71 في المائة إن التقاعد أصبح أصعب في الوقت الحالي مقارنة بما كان الحال عليه في الماضي.

هل ما زلت تشكو؟ أنا كذلك. وكما يقول مستشاري فووت: «هذه هي قنبلة موقوتة تم بناؤها على مدى أعوام، وقد جعلها الركود أكثر خطورة، فقد أحدث ثقبا في فقاعة أمل بأن الحصول على عوائد استثمارية أعلى يمكن أن يخرجنا من هذه الأزمة».

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»