تعليم.. وعلم.. وتعلم

TT

التعليم هو الساحة التنموية الأهم بدول مجلس التعاون الخليجي تحديدا والعالم العربي عموما، وهناك انفتاح شهية ملحوظ على التوجه نحو التقنية والعلوم بقوة. هناك إحساس متجدد بأن العلم والتعلم بنهجه وأسلوبه النمطي لم يعد نافعا وبات غير مجد ولا مفيد لتحقيق طموحات الأجيال الناشئة ولا الحكومات نفسها. ولذا لم يعد غريبا أبدا متابعة سلسلة مبهرة من المشروعات العلمية الهائلة فأبوظبي بالإمارات العربية المتحدة تستعد لإطلاق مدينة «مصدر» وهي مدينة طاقة بدون كربونات ملوثة وذات خصائص بيئية متطورة جدا تفوق المعايير والمقاييس العالمية وسيكون عدد سكانها المتوقع 140 ألف نسمة وتبلغ تكاليفها المتوقعة مبلغ 22 بليون دولار أميركي ومن المتوقع أن تكون هذه المدينة مركز «البيئة الاقتصادية الخضراء» في المستقبل. وفي قطر تستعد الدوحة لإطلاق مجمع العلوم والتقنية بقيمة 600 مليون والتي ستكون بمثابة عنوان طموح لمشاريع التقنية والعلوم. وطبعا هناك المبادرات الموجودة بالسعودية والتي تأتي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية كأهم عناوينها وهي الجامعة التي ستكون نقلة كاملة في أساليب وطرق ونوعية التعلم وستكون مقرا لسادس أقوى سوبر كمبيوتر في العالم، وسيكون عدد كوادرها التعليمية وطلبتها المقدر 20 ألفا. وإذا كانت لغة الأرقام لا تكذب فهي أيضا لغة صارمة جدا لأنها تعكس واقعا أليما للحال العلمي في العالم العربي، فالكويت على سبيل المثال سجلت 10 براءات اختراع ما بين عامي 2005 و 2006 بينما سجلت السعودية 37 براءة اختراع في نفس الفترة وكوريا الجنوبية من جهة أخرى تمكنت من تسجيل 10.260 براءة اختراع لنفس الفترة! والموضوع لا يستحق المزيد من التعليق فهو مذهل بما فيه الكفاية. وهذا المناخ العلمي يجب أن ينعكس على «حال» المجتمع وأهله، ففي قطر بلغت نسبة التسجيل في الجامعة 18% وفي السعودية بلغت 29% وفي أيرلندا بلغت النسبة 59% كلها للفترة بين 2005 و 2006. وهناك رغبة في تحسين التنافس بين الجامعات الخليجية والعربية فبدأت بعض الدول في الإقبال وبقوة على دعوة الجامعات الهندية والشمال أميركية لفتح فروع لها بنفس المناهج والمعايير والمقاييس حتى يتم ضمان ذات المستوى بلا تنازل. وهناك مشاريع جامعية طموحة جدا بأبوظبي والبحرين وقطر ودبي لعل أبرزها هو مشروع مدينة العلم بقطر والتي تبلغ مساحتها 14 كيلومترا مربعا وتحتوي على برامج مهمة من جامعات عالمية مثل تكساس أي اند أم وكارنجي ميلون وكورنيل وفرجينيا كوموولث. هناك نهم جديد واضح في استحداث برامج تمويلية طموحة لكراسي علمية متخصصة في مجالات بالغة الضرورة والأهمية. ولكن لا تزال الحوافز التمويلية التي ستسمح للمزيد من المشاركة من قبل القطاع الخاص في ضخ الأموال المطلوبة ضعيفة. فالموضوع المهم هذا بحاجة لمراجعة للأنظمة الضريبية والأساليب الزكوية لأن هناك مجموعة غير بسيطة من الآراء والفتاوى تعتبر أن هذه النوعية من التبرعات هي من صميم العمل الزكوي. إنجاح المنظومة العلمية الجديدة تحد غير بسيط ولكي يتم ذلك لابد من تكاتف الجميع في ذلك والنظر إلى المسألة برؤية عصرية جديدة ومغايرة لما كانت عليه الأمور في السابق، وهي التي أدت إلى أحد أردأ الأنظمة التعليمية وأسوأها في القدرة على إخراج عناصر مفيدة للسوق والمجتمع.

[email protected]