رومانسية من؟

TT

أتحدى أي إنسان يجزم بأنه لم يحن إلى الرومانسية والعواطف الرقيقة المصاحبة لها في مرحلة ما من مراحل حياته.

أعترف بأن أحلامي الرومانسية انصبت على بعض مشاهد أفلام الأبيض والأسود، مشاهد تضم عماد حمدي وفاتن حمامة في مطعم ليلي يتناولان عشاء على خلفية موسيقى خفيفة، ويكملان الأحاديث الهامسة على إيقاع رقصة التانجو. ولم يهم أن تكون تلك المشاهد بعيدة تماما عن واقع حياة الأسرة المصرية آنذاك. فلا أتذكر أننا، كأسرة، تعودنا الخروج إلى الملاهي الليلية. وأجزم بأن رقصة التانجو ظلت مجرد فكرة، إلى أن تزوجت. وأذكر أنني، إحياء لذكرى أبطال الرومانسية المختزنة، طلبت من زوجي في أول أيام العسل أن نجرب التانجو. أتذكر ملامح وجهه الشرقي، وهو يقول «أيعجبك أن يقوم رجل طويل عريض مثلي، ويهز طوله أمام الناس؟». وبهذا، وضعت كلمة النهاية على قصة التانجو بيننا. وليس معنى هذا أنني عشت معه حياة مجردة من الرومانسية، فما زلت أحتفظ ببعض الرسائل القصيرة التي أرسلها إليَّ مدعومة برسوم كاريكاتورية تظهره بمظهر المظلوم، وتظهرني بمظهر الزوجة القاسية التي ترفض أن تقبل اعتذاره عن هفوة.

ولا شك أن لكل جيل رموزه الرومانسية. وقد شاء القدر أن أعيش رومانسية جيلي، ثم تنضج تجاربي فأصيح بأعلى صوت بأن رومانسية الأفلام والمسلسلات بعيدة عن التجارب المعيشة، وأن الواقع أجمل لو منحناه فرصة. ولكن هيهات.

أحيانا يداخلني إحساس بأن الحياة العصرية تأبى أن تكشف للأجيال الجديدة جانبا من رومانسية الواقع. والدليل على ذلك طرفتان تتعلقان بمؤسسة الزواج، إحداهما وقعت في الولايات المتحدة، والأخرى وقعت في إحدى المدن السعودية. الطرفة الأميركية تقول بأن سيدة أميركية قررت أن تمحو كل ما تبقى من ذكريات عن زوجها بعد الطلاق، فما كان منها إلا أن جمعت كل ما يذكرها به في كومة، وخرجت إلى الفناء الأمامي للبيت الذي عاشت فيه معه، وبدأت في تكسير كل بند من بنود الذكريات بقوة مصحوبة بصيحات النصر. وحين فرغت؛ شعرت بارتياح كبير. ولم تكتف بهذا القدر من الارتياح؛ فقررت أن تعمم إحساسها وتربح من ورائه ثروة. فقد فتحت دكانا يرتاده الراغبون في قتل ما تبقى من رومانسية. بعد دفع رسم الدخول، يبدأ الزبون في تكسير الأشياء التي يحملها معه، والتي تذكره بقصة عاشها، وانتهت بالفشل؛ وسببت له ذكريات أليمة.

أما الطرفة الثانية، فقد وصلتني كرسالة على الإنترنت، مؤداها أن سيدة سعودية دعت كل صديقاتها إلى حفل ساهر، وحرصت على أن تكون الضيافة على مستوى عال من الرفاهية والفخامة. ولبت الصديقات الدعوة، من دون أن يعرفن مناسبة الاحتفال. وبينما كان الاحتفال على قدم وساق، قامت صاحبة الدعوة وأعلنت لصديقاتها في الميكروفون أنها تحتفل وإياهن بطلاقها، وبأنها تخلصت من شريك مفترٍ.

حين قرأت الرسالة تداخلت أفكاري وتشابكت، ولكن سرعان ما وجدت قاسما مشتركا بين حال المرأتين، رغم اختلاف الظروف الحضارية. والقاسم المشترك في كلتا الحالتين هو انعدام كل ما تبقى من مشاعر حساسة ورقيقة خلفتها علاقة يفترض أن تكون إنسانية واجتماعية، استثمر فيها كل من الشريكين الكثير من مكنوناته وآماله وأحلامه. لا يهم أن يكون الزوج هو المفتري، أو أن تكون الزوجة ناكرة لكل ذكرى طيبة. المهم هو التفكير في حل سريع لإنقاذ رومانسية تحتضر.