هل تاهت بوصلة أوباما؟

TT

لاحظت وجه الرئيس أوباما مهموما وهو منكب على قراءة تقارير الاستخبارات الأميركية الواردة من ساحة المعارك الأخيرة بين الجيش الباكستاني وطالبان في منطقة سوات، والتي خلفت مئات القتلى، ومئات الألوف من المشردين في أوضاع إنسانية بائسة.

قلت للرئيس: بهذا الأسلوب، سيادتكم لا تهيئ مناخا سليما لخطابكم الذي تنوون توجيهه للعالم الإسلامي في القاهرة الشهر القادم!

الرئيس أوباما: ماذا تقصد؟

قلت لأوباما: الذي أقصده بالضبط هذه التقارير التي بين يديك، الكل يدرك أن هذه المعارك الرهيبة ضد طالبان في مناطق آهلة بالسكان الأبرياء إنما جاءت بضغط من حكومتكم وبمباركة منكم، فأي حوار تريد إجراءه مع العالم الإسلامي وأنت تتحاور معهم في باكستان وأفغانستان بالحديد والنار وتشريد مئات الألوف من الأبرياء؟ خاصة أن سيادتكم يدرك أن استراتيجية سلفكم بوش باستخدام القوة العسكرية الضاربة واستعراض العضلات الأميركية لم يهزم التطرف والإرهاب في باكستان وأفغانستان، بل زادت هذه الفئات شعبية وقوة ونفوذا؟

أوباما: وهل تريدني أن أترك طالبان و«القاعدة» يسرحون ويمرحون في باكستان وأفغانستان، يفرخون الإرهاب وينشرون التشدد، وأنا أتفرج بحجة تهيئة المناخ لمخاطبتي للعالم الإسلامي في العاصمة المصرية؟

قلت لأوباما: ولكنك أنت الذي قرر فتح الحوار مع معتدلي طالبان، ففتحتم بدل الحوار نارا اصطلى بها متشددهم ومعتدلهم على حد سواء، ومع نهاية هذه المعارك الشرسة سيتحول جناح الاعتدال في طالبان إلى التشدد، بل إن هؤلاء المدنيين المهجرين المطرودين، وقد تجاوزوا المليون، سيتحولون إلى معين لا ينضب في إمداد طالبان بالناقمين عليكم وعلى الحكومة الباكستانية، إن تراجعك يا سيادة الرئيس عن الحوار مع معتدلي طالبان أو حتى التسويف فيه سيجعل الناس تلقبك بـ «رئيس التراجعات»!

الرئيس أوباما: «رئيس التراجعات»؟! وما هذه التراجعات الأخرى التي جعلتني رئيسا لها؟

قلت لأوباما: لقد صوّتم ضد نظام المحاكم العسكرية، عندما كنتم عضوا في مجلس الشيوخ، ثم أوقفتم هذه المحاكمات العسكرية لمعتقلي غوانتانامو مباشرة بعد توليكم رئاسة أميركا، ولكنكم تراجعتم وأعلنتم أخيرا أنكم ستبقون هذه المحاكم العسكرية، وفي الأسبوع الماضي تراجعتم عن قرار بنشر صور بحوزة وزارة الدفاع الأميركية تظهر أساليب التعذيب التي كان يعتمدها الجنود الأميركيون في معتقلات بالعراق وأفغانستان، ولا ندري إن كنتم ستتوجون هذه التراجعات بالتراجع عن إغلاق معتقل غوانتانامو، الذي وعدتم بإغلاقه في يناير (كانون الثاني) القادم، لقد لفتت هذه التراجعات الانتباه وأنتم بالكاد تجاوزتم المائة يوم على توليكم رئاسة أميركا!

أوباما: منصب الرئيس الأميركي كر وفر وتقدم وتراجع، فلا تجعلوني كرئيس مدينة أفلاطون الفاضلة.

قلت لأوباما: لا يا سيادة الرئيس، أنت بلونك وخلفيتك العائلية نسيج مختلف عن بقية رؤساء أميركا، لقد حرصت على تقديم نفسك في بداية بروزك على الساحة الأميركية كسياسي عصامي يمثل الأميركي العادي الذي لا يخضع لقيود جماعات اللوبي بواشنطن، ويترفع عن الخلافات السياسية، ويسعى لقيادة أميركا إلى مستقبل أكثر إشراقا وإيجابية، وهذا ما يفسر الاحتفاء العالمي النادر بفوزك في الانتخابات الأميركية، والذي لم يحظ به غيرك، والعالم الإسلامي، الذي ستخاطبه، هو المعني الأول بتراجعاتك الغريبة، فكن مستعدا في خطابك القاهري القادم لترقيع هذه الأخطاء والتراجعات، وكن شجاعا في تقديم خطوات عملية إيجابية تستر بها سوأة السياسة الأميركية، خاصة ما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية، وثق أنها ستكون بوابتك لشراكة حقيقية واحترام متبادل مع العالم الإسلامي.

[email protected]