السعودية تودع محمد النويصر

TT

أدرك في الوظيفة العامة عشرة أعوام من أواخر عهد مؤسس المملكة الملك عبد العزيز، ثم التحق بديوان الأمير (الملك) فيصل، وتدرج معه حتى أصبح أول مسؤول رفيع في ديوانه عندما توّج ملكاً عام 1964، وعاصر عهد الملك خالد والملك فهد وجزءا من عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، حتى أواخر عام 2005، مسجلاً بذلك أطول فترة يقضيها مسؤول في مثل هذا المنصب، ومسجلاً في الوقت نفسه رحلةً مع الوظيفة الحكومية تجاوزت ستة عقود.

حباه الله جملة من الخصال النادرة، كان في مقدمتها علاقته بربه، فلقد عرف متديناً محافظاً، لا ينقطع عن الصلوات، بما فيها الفجر في المسجد القريب من منزله أينما حل، وهو في هذه الناحية، وقد صرف جل حياته لمهام عمله، لم يتخلّ عن ملازمة مصلاه والتواصل مع خالقه.

أما الخصلة الثانية فكانت الدماثة الرفيعة في الخلق والسمت، وحسن التعامل مع الناس، ويكفي منه في هذا الشأن مسألتان: يد لا تحجب العطاء، وباب مكتب لا يعرف الإقفال.

أما الثالثة فكأنه الصمت، الصمت عن إفشاء الأسرار والصمت عن أعراض الآخرين، بل لقد حافظ طيلة عمله على صوت خفيض لا يكاد يسمعه سوى من يدنو إلى جواره.

أما الرابعة، ولعلها الأهم، فكانت التوازن في النهج، والقسط في التعامل، والمحافظة على المعادلة السياسية داخل نظام عريق الجذور، مكين الأساس، وكان من أدواته في تنفيذ هذا النهج والتقيد به بُعده عن الأضواء والعزوف عن بهرجة الإعلام.

لقد كان محمد النويصر أمنية الإعلاميين في الاصطياد، وبغية الباحثين في كشف الأسرار وسبر الأرشيف، لكنه رحل متأبطاً أسرار خمسة عقود في ذاكرته، مع شكّي في أن يكون أصلا احتفظ بها بين مقتنياته.

لقد كان محمد النويصر مدرسة في الإدارة، وأحد مستودعات المعلومات التي غابت بغيابه، وأحد رجالات جيل لن يُنسى من المؤسسين الأوائل، وُلد النويصر في مطلع العشرينات من القرن الماضي في مكة المكرمة، وتوفي عن عمر يناهز الخامسة والثمانين، وهو من أسرة معروفة في مدينة الخبراء بمنطقة القصيم، وله من الأبناء عشرة ومن البنات مثلهم.

أمطره الله بشآبيب رحمته ورضوانه.

*إعلامي وباحث سعودي