«منيو» زواج!

TT

مع حلول موسم الصيف تزداد مناسبات الزواج في العالم عموما وفي العالم العربي تحديدا بأعداد لافتة وكبيرة، ويظهر جليا وبوضوح مع ازدياد حملات الدعاية والإعلان في الصحف والمجلات عن منظمي حفلات الزفاف ومقدمي الخدمات المصاحبة، ومع كل موسم بات من المعتاد أن يصاحب كل ذلك مجموعة جديدة من فتاوى الزواج الغريبة وغير التقليدية، فمن الزواج العرفي إلى زواج المسيار إلى زواج الفرند إلى زواج المصياف وغير ذلك. حالة النهم الهائلة لـ«تحليل» كل أنواع العلاقات تحت مظلة الزواج مسألة بحاجة إلى وقفة طويلة نوعا ما. هل الناس حقيقة بحاجة لكل هذه الأنواع «المدهشة» من الزيجات؟ ولماذا يتم استحداثها أساسا. لقد تحولت مؤسسة أساسية كالزواج إلى مادة للسخرية والنكتة والاستهزاء الشديد جدا. هناك هوس بالجنس عموما في الثقافة العربية حتى إن كان هناك خجل موروث في الحديث عنه، فإعلانات الصحف تتغنى بالعيادات والأطباء الذين يعدون الرجال بحياة ذكورية فولاذية ومنشطات وأدوية تلبي كل الأحلام والخيال ووسائل مساعدة أخرى. كل ذلك لأجل تحقيق المطلوب وإنجاز المهمة بسلام ونجاح. وطبعا لا يمكن نسيان إعلانات العسل ومشروب الجنسنغ الكوري وحبوب اللقاح وغذاء الملكات وعصارة القمح وغيرها. أتذكر مشاهدة مقابلة تلفزيونية في إحدى الفضائيات وضمن برنامج اقتصادي رصين وجاد وكان ضيف المقابلة رئيس إحدى شركات صناعة الدواء الكبرى في العالم العربي، وكان يجيب عن سؤال المذيع عن أحوال شركته فقهقه الضيف ضاحكا وقال بصوت عالٍ جدا: «نحن الشركة الوحيدة في العالم العربي التي ترفع رأس المساهم ليلا ونهارا، نهارا بتحسن وارتفاع أسعار أسهم الشركة، وليلا عن طريق الأدوية المنشطة جنسيا». هكذا وبكل جرأة وبكل وضوح قدم الضيف تبريرا وتوضيحا غير عادي لشركته وأهميتها في حياة المساهمين. وطبعا يلحق هذا «المناخ» كله صكوك التحليل المعروفة بفتاوى الزواج التي قسمت المسلمين ووضعتهم في حيرة من أمرهم. فهناك من يرى تلك الفتاوى رخصة لتحقيق الحلال وتسهيل الشرع للراغبين فيه بأسلوب «عصري» يراعي الظروف، وهناك فريق آخر يرى أنه تلاعب واستهتار هائل بأصول الدين وخلط الحلال بالحرام وابتداع في الشريعة لا أصل له ولا سند. لا توجد أرقام حقيقية تُظهِر حجم المشكلة أو حجم العقود «الجديدة»، فهي تحاط بالسرية والكتمان الشديدين. معلوم أن للأكل قائمة طعام يطلق عليها «منيو»، وكذلك لأصناف الشاي والقهوة، وهناك «منيو» لأصناف المعسّل لمدخني الشيشة، ويبدو أن الزواج هو الآخر أصبح له «منيو» من الممكن الاختيار منها بحسب الحاجة والظروف والرغبة ووضع الشروط المطلوبة مهما كانت مختلفة سواء طلب لبن العصفور كمهر أو كتابة العقد على ورق A4 بلون بنفسجي مثلا. الزواج كان مسألة بسيطة وعقدا واتفاقا وقبولا وتراضيا وإعلانا وشهودا، شيء ما حدث وعقد المسائل وزاد في غموضها وغرابتها. إذا كان الحلال بيّنا والحرام بيّنا فما الاسم الذي يمكن إطلاقه على الزيجات الجديدة؟ صيف سعيد وبالرفاه والبنين لكل مقدم على الزواج.. بأي طريقة كانت!

[email protected]