كتاب الخيول

TT

كان الراحل نبيل خوري أسرع في البذخ منه في التحصيل، أو في الجمع. كان يبذخ على نفسه وعلى عائلته وعلى مطبوعاته، ولذلك سرعان ما تتعب أو تفلس رغم اهميتها الصحافية. وقد أسس في لبنان أول مجلة نسائية حديثة هي «الحسناء» ثم خسر ملكيتها للديون.

وأسس في باريس مجلة «المستقبل» التي كانت أرقى وأجمل المجلات الاسبوعية، ورغم نجاحها كان بذخ نبيل خوري أقوى منها وأسرع، فما لبث أن أشهر افلاسه وعاد كاتبا.

خطر له مرة أن يصدر مطبوعات ذات مردود مالي إلى جانب «المستقبل». وكان من صفاته أنه يكثر الاستشارة ويرحب بالمشورة. وسأل أحد الزملاء عن مشروع كتاب يمكن أن تقبل عليه الناس، فاقترح الزميل كتابا عن الخيل العربية، وقال له: العرب تحب الخيل لأنها تحب الفروسية، وكلمة فروسية، المرادفة للشجاعة والنبل والكرم، مصدرها الفرس. وقيل له أيضا: لقد قبلت العرب حكم البخيل والمستبد، ولكنها في تاريخها لم تقبل سيادة الجبان.

وتحرك الزميل الراحل بسرعة، ونادى على المؤرخ يوسف ابراهيم يزبك، الذي كان يقيم يومها في باريس، وكلفه إعداد المشروع. وخرج الكتاب من بين يديه بعد عام تحفة في الطبع وفي التأليف.

ولم تمر أسابيع إلا وكانت جميع نسخ الكتاب قد نفدت. وطبعاً كان نبيل قد عثر على وسائل صرف المداخيل قبل ان تصل إلى مكتب المحاسبة.

ومن جديد سأل بعض الزملاء عما يقترحون من كتب مماثلة. وقال أحد الزملاء عليك بطبعه ثانية وثالثة عن الخيول. العرب تحب الأفراس. عنترة في الجاهلية كان يخاطب الابجر كأنه يحاور صديقاً له. وفي أيامنا هذه وضع الشاعر (بالفرنسية) جورج شحادة مسرحيته الجميلة «مهاجر بريسبان»، ويلعب فيها الحصان، كوكو، دوراً رئيسياً. صحيح أنه لا يقول شيئاً، لكنه، مثل حصان عنترة، يصغي طوال الوقت إلى شكاوى الحوذي ونكاته وتعليقاته. انه رفيقه الوحيد، وكلما تضايق الحوذي من سذاجة راكب ما، لم يجد سوى حصانه.

لم يكن حصان العبسي يتحدث إلى سيده، لكنه كان يشكو في أي حال:

فازور من وقع القنا فزجرته

فشكا إلي بعبرة وتحمحم.

وفعل حصان عامر بن طفيل الشيء نفسه، لكن هيهات من شاعرية اسود بني عبس:

إذا ازور من وقع الرماح زجرته

وقلت له: ارجع مقبلاً غير مدبر.