التيسير السعودي بأسلوب علي عسيري

TT

في لبنان يستبق السفير السعودي علي بن سعيد آل عواض عسيري يوم الانتخابات (الأحد 7 حزيران/يونيو 2009) ويواصل زياراته لرموز العمل السياسي والحزبي في لبنان، ليس لأنه يريد تكوين فكرة عن واقع الأحوال اللبنانية لأنه على دراية بها ولأن الملف السعودي لدى مركز القرار في المملكة حافل وواضح ولكل امرئ في لبنان السياسي والحزبي والمذهبي من سلوكه وتعاطيه مع الشأن صفحة أو فلنقل بضعة سطور في صفحة من كتاب لبنان الشقيق الصغير للمملكة الكبرى الحانية عليه. أما لماذا الزيارات وعلى وتيرة لافتة فلأن هذا الدبلوماسي العريق، الخلَف لدبلوماسي بالعراقة نفسها هو الدكتور عبد العزيز خوجه الذي اصطفاه ولي الأمير ليكون وزيراً للإعلام والثقافة، لا يكتفي بتطمين الجميع من خلال تصريح كالذي أدلى به بعد تقديم أوراق اعتماده إلى الرئيس ميشال سليمان إلى حرص المملكة على لبنان المتنوع مذاهب وسياسات وإنما يزور الرموز رمزاً رمزاً وبكل لياقة الدبلوماسية النجدية والحجازية كما وضع أساساتها الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز في جدة ويستحضرها الأمير سعود الفيصل وسائر المهتمين والمعنيين من أبناء الطيب الذكر الملك عبد العزيز وأبنائهم، في ترجمته لتوجيهات خادم الحرمين وسيد مبادرات الترميم السياسي والاجتماعي والمذهبي والمصالحة الملك عبد الله بن عبد العزيز.

ومن المؤكد أن بعض هذه الزيارات كان ضرورياً بعدما تركت بعض الشوائب بصمة على ذاكرة كثيرين تناسوا أن اهتمام المملكة العربية السعودية بلبنان ليس موسمياً، وإنما هو جزء من استراتيجية أعمق وأشمل وتتجاوز الإساءات الشخصية من أجل تدعيم الكيان وتثبيت الصيغة. وفي تقديرنا أن زيارة السفير علي عسيري للشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله شكَّلت لحظة مستحبة في نفوس جماهير الحزب وفي أوساط الطائفة الشيعية عموماً وسجَّلت في المشهد العام احتمال انحسار احتقان تحتاج الطائفة الحزب والطائفة الرأي العام إلى إزالته. ولقد تجاوزت الزيارة المألوف بكثير، حيث أنها لم تأتِ كزيارة إلى من يمثل «حزب الله» في الحكومة، أي إلى الروافد وإنما إلى النبع. ونقول ذلك على أساس أنه لو كانت الظروف الأمنية للسيد حسن تجيز للقاءاته أن تتم في الهواء الطلق، لكان السفير علي عسيري الحريص كما هو واضح على أن يكون دائم الظهور بالعباءة والغترة التقى بالسيد حسن. ولكن اللقاء بنائبه الشيخ نعيم قاسم لا يقلل من أهمية الزيارة التي ترتقي إلى مرتبة الحدث وتشكِّل ما يجوز اعتباره خطوة نوعية تؤسس للمزيد من التواصل.

واللافت أن السفير علي عسيري لا يعتمد الرهان في زياراته أي بما معناه لا تقتصر زياراته على مَن هم برسم الفوز في الانتخابات النيابية، وذلك لتشكيل «لوبي سعودي» يمكن الاتكال عليه، وإنما هو يزور الرموز بدليل أن زياراته شملت رئيس الوزراء الأسبق الدكتور سليم الحص الذي نأى بنفسه عن السباق الانتخابي وارتأى أن يكون مرجعية سياسية سُنية يملك القدرة على محاورة الجميع وتبقى أبواب مكتبه المتواضع كما منزله مفتوحة أمام الذين يتكايدون في الشوارع وعبر الفضائيات وصفحات الصحف، إلاَّ أنهم في لحظات التخبط والحيرة يأنسون إلى رأيه ونصائحه.. وبصرف النظر عما إذا كانت تروق لهم أو تتعارض مع ظروفهم ومعتقداتهم السياسية.

كذلك من اللافت أن الزيارات شملت حتى بعض رموز أطياف حزبية شاركت في ما مضى في التجني على المملكة تنفيذاً لتعليمات أوصياء عليها تعمدت الكيد من المملكة عن طريق هذا الطيف الحزبي أو ذاك. وهذا مؤشِّر إلى أن ولي الأمر الملك عبد الله بن عبد العزيز أراد من سفيره وهو يزوده بالتوجيه أن يكون التعالي على الصغائر من ضمن أسلوب التعاطي مع الأشقاء اللبنانيين وعلى أساس أن من يسامح الأكبر لا تعود تستوقفه مسامحة الأصغر.

يبقى أن هذا الأسلوب الذي يعتمده السفير علي عسيري والذي يندرج في سياق تيسير المملكة للأحوال اللبنانية، يحدث في زمن اتساع رقعة الانفراجات العربية والدولية والتي يعود الفضل فيها للملك عبد الله بن عبد العزيز الذي قصَّ، إذا جاز القول، في القمة العربية الاقتصادية في الكويت شريط تدشين حقبة استعادة التفهم إلى نفوس أهل القرار ومن يلوذ بهم. ومنذ تلك اللحظة والمتابعة الدؤوبة للخطوة تبعث في النفس العربية شعوراً بالطمأنينة. وفي هذا السياق جاء علي بن سعيد آل عواض عسيري سفيراً للمملكة الحانية على لبنان وجاءت حيويته في لقاءاته وزياراته لكل رموز العمل السياسي والحزبي في لبنان تؤكد المعنى النبيل للقول الطيب: إن مع العسر في لبنان يسراً من المملكة العربية السعودية. هكذا أيام المحنة لا أعادها الله في زمن عبد العزيز خوجه وهكذا في لبنان الآتي بعد انتخابات عكست زيارات علي عسيري ولقاءاته بالرموز السياسية والحزبية انطباعاً بأن المملكة مع لبنان المتعافي والمتعايش ومن لا يسير في هذا الاتجاه لا مكان له في كتاب التفهم.