لذيذ وذميم

TT

عندما فتش المترجمون عن كلمة عربية دقيقة للاصطلاح العلمي parasite لم يجدوا خيرا من كلمة «طفيلي» فالبراسايت هو الكائن الحي الذي يقتات على كائن حي آخر، كالقمل في رؤوس المعتقلين السياسيين عندنا. وكذا موقف الطفيلي الذي يعيش على معروف الآخرين. وقد ورد في الأثر ما يندد بهم في حديث للرسول صلى الله عليه وسلم: «من دخل إلى دار قوم بغير إذنهم، دخل سارقا وخرج مغيرا. ومن دعي ولم يجب فقد عصى الله ورسوله». ورغم ذلك فقد فرضت الفاقة والحاجة على الكثير من الناس انتهاج هذا المسلك في الحياة ضمن سائر الرذائل التي شاعت بيننا خروجا على ما أوصى به النبي الكريم وجاء في القرآن الكريم. وقد ادعى طفيلي بغير ذلك حين قال:

نحن قوم نحب هدي رسول الله

هديا به الصواب أصبنا

فادعنا كلما بسطت فإنا

لو دعينا إلى كراع أجبنا

وجدوا في التطفل وسيلة يسيرة يذوقون بها ما لا يحلمون به من أطايب العيش. عبر أحد أكابر الطفيليين، عثمان بن دراج، عن ذلك بقوله:

لذة التطفيل دومي

واقيمي لا تريمي

انت تشفين غليلي

وتسلين همومي

سألوه ماذا تصنع إذا لم يدخلك أهل العرس؟ فقال أنوح على الباب فيتطيرون فيدخلونني. لامه أحد أصحابه على هذا المسلك وعرض عليه وظيفة فرفضها وقال: «يرحمك الله، فأين لذة الجديد وطيب التنقل كل يوم إلى مكان؟ وأين هويناك ووظيفتك من احتفال العرس؟ وأين ألوانك من ألوان الوليمة؟».

لاحظ صديق له صفرة في وجهه، فسأله عنها فقال: «هذه من الفترة التي بين القصعتين، ومن خوفي في كل يوم من نفاد الطعام قبل أن أشبع».

سلاح الطفيلي هو الجواب المفحم السريع عندما يتحداه صاحب الوليمة وأهل العرس. ومن ذلك أن طفيليا بسكة النخع في البصرة مر بوليمة، فاقتحم الدار فأنكره صاحب المنزل قائلا: «لو تأنيت أو توقفت حتى يؤذن لك أو يبعث إليك». فأجابه فورا: «إنما اتخذت البيوت ليدخل إليها، ووضعت الموائد ليؤكل ما عليها. وقد جاء في الأثر: صل من قطعك وأعط من حرمك!

وعلى الفور تفتحت قريحته على شأن الطفيليين بهذه الأبيات:

كل يوم أدور في عرصة الدا..

ر أشم القتار شم الذباب

فإذا ما رأيت آثار عرس

أو دخانا أو دعوة الأصحاب

لم أعرج دون التقحم لا ار..

هب شتما ولكزة البواب

مستهينا بمن دخلت عليه

غير مستأذن ولا هياب

فتراني ألف بالرغم منه

كل ما قدموه لف العقاب!

وتحدث طفيلي آخر ناطقا باسم عصبة الطفيليين الأحرار، فقال:

نحن قوم إذا دعينا أجبنا

ومتى ننس يدعنا التطفيل

قولنا علنا دعينا فغبنا

أو أتانا فلم يجدنا الرسول

وقال آخر منهم:

نحن قوم إن جفى النا...

س, وصلنا من جفانا

لا نبالي صاحب الدا...

ر نسينا أم دعانا

www.kishtainiat.blogspot.com