تبدل معطيات الحوار في لبنان

TT

فوز قوى «14 آذار» في الانتخابات اللبنانية، الذي أبعد احتمال هيمنة حزب الله على القرار السياسي في بيروت، يصح أن يدرج في أكثر من خانة محلية وإقليمية ودولية واحدة... لكنه يبقى، في نهاية المطاف، خدمة «ديمقراطية» لقوى «8 آذار»، ولـ«حزب الله» تحديدا، كون هذا النصر أعفاها من حرج تجربة حكم لبنان التعددي بخلفية آيديولوجية شمولية.. وخدمة موازية للبنان أيضا بتجنيبه تحمل التبعات الداخلية والإقليمية لبعض القرارات المحتملة للحزب.

إلا أن ذلك لا يعني التقليل من تمثيل الحزب لشريحة واسعة من المجتمع اللبناني، كما أثبتت نتائج الدوائر ذات الأكثرية الشيعية، ولا يبرر بأي حال من الأحوال إبعاد الحزب عن القرار السياسي ولا تخوف الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، من «المرحلة المقبلة». ولكنه، في المقابل، يتطلب إعادة تقويم الحزب لعلاقته بلبنان الآخر ـ إن صح التعبير.

إعلان السيد حسن نصر الله قبوله نتائج الانتخابات بروح رياضية وديمقراطية بداية جيدة لعلاقة جديدة بين الحزب والشارع غير الشيعي في لبنان. وخلافا لدعوة رئيس كتلته البرلمانية، النائب محمد رعد، الأكثرية البرلمانية إلى «تغيير سلوكها» والالتزام بـ«مبادئ أساسية» أبرزها إعطاء «الثلث الضامن» للأقلية في الحكومة المقبلة، تفترض نتائج الانتخابات أن يبادر حزب الله نفسه إلى «تغيير سلوكه» بعد أن أوحى تقلص التأييد المسيحي لحليفه الرئيسي خارج الشارع الشيعي، العماد ميشال عون، بنسبة تراوحت بين العشرين والخمسة والعشرين بالمائة مقارنة بالانتخابات السابقة، أن تقبل الشارع المسيحي المتعاطف مع حزب الله لطروحات الحزب لم يعد مسلما به على المدى البعيد.

وخلافا لقول رئيس كتلة «حزب الله» النيابية بأن «الأزمة» القائمة مع قوى «8 آذار» سوف تراوح مكانها ما لم «تلتزم» الأكثرية البرلمانية الجديدة «بمبادئ أبرزها عدم المساس بسلاح حزب الله»، توحي نتائج الانتخابات الأخيرة أن أزمة «حزب الله» الحقيقية تنحصر في مفهومه للديمقراطية التوافقية في لبنان والتي يحاول تحويلها إلى ديمقراطية مشروطة بمطالبته بحق الفيتو (الثلث المعطل) للأقلية البرلمانية في أعقاب انتخابات شهد الجميع بشفافيتها.

إذا كان المقصود من المطالبة بحق الفيتو داخل الحكومة اللبنانية هو ضمان إبقاء المقاومة «خارج كل بحث»، كما أوضح رئيس الكتلة النيابية للحزب، فإن مرحلة ما بعد الانتخابات هي الفرصة المناسبة لإعادة إطلاق الحوار حول استراتيجية لبنان الدفاعية انطلاقا من معطيات واقعية أفرزتها هذه الانتخابات، وفي مقدمتها أن فرصة حزب الله لتحويل دويلته إلى دولة عبر صناديق الاقتراع «وشرعنة» سلاحه وصواريخه سقطت إلى غير رجعة خارج الشارع الشيعي.

وإذا كان ثمة مغزى «وطني» ـ ولا نقول سياسي ـ للنصر الانتخابي الكاسح الذي حققته قوى «14 آذار» فهو ما أكدته صناديق الاقتراع من التفاف واسع حول الدولة، كيانًا ومؤسسةً ودستورًا.

باختصار معطيات الحوار الوطني تبدلت جذريا بعد انتخابات السابع من حزيران (يونيو). وانطلاقا من هذا التبدل، وعلى خلفية التحولات الإقليمية والدولية التي تعزز فرص التسوية السلمية لأزمة الشرق الأوسط في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، يفترض بحكماء حزب الله البناء على انتخابات الأحد الماضي للبدء بعملية نقد ذاتي تعيد صياغة طبيعة علاقة الحزب بالدولة اللبنانية واستطرادا بالشارع غير الشيعي في لبنان.

وقد يكون من المغالاة في التفاؤل توقع تقبل حزب الله ـ بالجرأة التي اشتهرت قيادته بها ـ واقعا بات يصعب إنكاره، هو أن سلاح الحزب فقد مصداقيته في 7 أيار (مايو) 2008 ـ يوم وجه نحو أبناء بيروت والجبل ـ وفقد شرعيته في 7 حزيران (يونيو) الحالي ـ يوم اقترع الشارع غير الشيعي لصالح الدولة ـ وفقد مبرره الداخلي ـ يوم اعتبر أمينه العام اجتياح بيروت في 7 أيار «يوما مجيدا من أيام المقاومة»... فيدعو إلى تسريع انعقاد جولة الحوار الوطني ومقاربة «الاستراتيجية الدفاعية للبنان» من منطلق شكليات توحيد السلاح اللبناني في وجه العدو الإسرائيلي.. لا مبدئه.