خطاب نتنياهو: خطة الخداع الإسرائيلية الجديدة

TT

اليوم.. وبعد عشرة أيام من خطاب أوباما في القاهرة، يلقي بنيامين نتنياهو خطاب الانصياع الإسرائيلي التقليدي للسياسة الأميركية، وذلك بعد ما لا يزيد عن أسبوعين، أعلن فيهما أنه يعارض أوباما، وأنه يرفض شعار الدولتين، ويرفض وقف توسيع المستوطنات. لقد بدأ التحضير لهذا التراجع بعد ساعات من انتهاء خطاب أوباما. وقد بادر إلى التحضير إليه وإقناع أوباما به، شمعون بيريس رئيس دولة إسرائيل، الذي حول نفسه، وهو سليل حزب العمل اليساري، لكي يعمل كعرّاب لنتنياهو سليل حزب الليكود اليميني. تماما كما سعى ليتصدر الواجهة في أثناء إلقاء خطب الرؤساء في الأمم المتحدة، ليقول للصحافة والإعلام كل ما لا تقوله خطب نتنياهو وتصريحاته، مصرا على أنها لا تتعارض مع مواقف أوباما. بعد خطاب أوباما مباشرة، بادر شمعون بيريس إلى الاتصال مع نتنياهو، داعيا إياه إلى عدم تفويت الفرصة التاريخية التي بلورها الخطاب، وإلى عدم تفويت الفرصة التاريخية للعودة إلى التفاوض مع الفلسطينيين، حسب مسار خريطة الطريق. ولم ينسَ بيريس أن يلمح في طيات نصائحه أنه لا بد من وقف البناء في المستوطنات.

بعد بيريس جاء دور وزير الدفاع إيهود باراك، وهو أيضا ضد وقف توسيع الاستيطان، وهو أيضا سليل حزب العمل اليساري، والذي قبل أن يكون وزيرا برئاسة زعيم حزب الليكود اليميني، وإلى جواره وزير خارجية يتباهى بعنصريته. لقد بادر إيهود باراك إلى دعوة نتنياهو لقبول خطة الدولتين، وإلى إعلان ذلك بوضوح في خطابه الذي سيلقيه اليوم. ولم ينس إيهود باراك من تقديم دفاع سياسي عن دعوته هذه، فقال: إن حكومة نتنياهو التزمت «احترام» الاتفاقات المبرمة مع الحكومات السابقة ومنها «خارطة الطريق» التي تنص على حل النزاع على أساس إقامة دولتين لشعبين. وأضاف: إذا فشل هذا الحل ستكون هناك دولة واحدة هي إسرائيل، وعندها إذا كان للفلسطينيين حق التصويت فلن يكون هناك دولة يهودية، ولكن دولة بقوميتين، وإذا لم يكن لديهم حق التصويت فسيقوم النظام على أساس التمييز (العنصري).

بهاتين الدعوتين من رئيس الدولة ووزير الدفاع، تيقن نتنياهو من ضرورة قبول النصيحة، فإذا تمسك بموقفه سيكون حاكما ضعيفا، وقد يسقط من الحكم ويخلفه خصومه الناصحون له الآن، وفي مقدمتهم وزير دفاعه من حزب العمل، الذي سبق له أن زار البيت الأبيض، واجتمع مع الرئيس أوباما، ولا يدري أحد حول ماذا تم الاتفاق بينهما. أما إذا تراجع عن موقفه، فيمكنه أن يقبل شعار الدولتين، ثم يتعاون مع قادة إسرائيل الآخرين، من أجل رسم مواصفات للدولة الفلسطينية تنتزع منها الروح والمضمون والمعنى، وتجعل منها شيئا شبيها تماما بما يريده نتنياهو من خلال الرفض، ثم يذهب إلى المفاوضات، إرضاء لأوباما، ومن أجل اقتراح دولة فلسطينية لها تلك المواصفات.

وحين يقبل نتنياهو هذه النصيحة، فإنه سيلقي خطابا يتضمن ـ حسب قوله ـ «خطة مفصلة لمفهوم السلام الإقليمي»، بينما وصفها في مناسبة أخرى بأنها «خطة سلام إسرائيلية في المنطقة». أما الذين سيصوغون هذا الخطاب فهم ثلاثة: بنيامين نتنياهو الذي لا يؤمن أصلا بضرورة التفاوض مع الفلسطينيين، وشمعون بيريس الذي نال شهرته من خلال الكذب السياسي ومن خلال الاستعداد لتبرير ما لا يبرَّر، كما فعل دفاعا عن جرائم إسرائيل في غزة أمام رئيس وزراء تركيا، وإيهود باراك رجل الاغتيالات والحروب ورجل التفاوض الفاشل مع الرئيس الراحل ياسر عرفات في كامب ديفيد عام 2000، حين سعى إلى خداع عرفات وجره نحو قبول مشروع مغشوش للسلام، يقوم على: الاستيلاء على 45% من الضفة الغربية، والسيطرة على القدس والمسجد الأقصى، وبقاء ثلاثة قواعد عسكرية في الضفة الغربية، والحصول على تسليم فلسطيني برفض حق العودة. هؤلاء الثلاثة سيتعاونون من جديد لرسم «خطة السلام الإسرائيلي»، أو لرسم «الخطة المفصلة للسلام الإقليمي»، وسيعلنون على أساسها أنهم يقبلون خطة الرئيس أوباما للتفاوض على أساس «دولتان.. مع وقف فوري لتوسيع الاستيطان»، ثم يبدأون بشرح خطتهم للسلام الإسرائيلي، وهي خطة قديمة ــ جديدة، يحدد فيها الإسرائيليون ما يريدونه من أرض ومستوطنات وحدود ومياه وتاريخ وآثار، ثم يتركون للفلسطينيين أن يطلقوا اسم دولة على كل ما يتبقى من أراض جرداء، ومن مدن محاصرة بالجدران، ومن آبار مياه جافة.

وبدءا من اليوم، سنكون نحن الفلسطينيين، وسنكون نحن العرب، أمام سؤال التحدي الذي تطرحه هذه الخطة الإسرائيلية القديمة ــ الجديدة. والتحدي هنا له وجهتان: وجهة مع أنفسنا، ووجهة مع الرئيس باراك أوباما.

مع أنفسنا هناك مسؤولية تحديد ما نريده من التسوية السياسية مع إسرائيل، بكلمات واضحة لا لبس فيها، تقول وتؤكد وتشرح ما سبق لمبادرة السلام العربية أن رسمته:

أولا: انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي العربية التي تم احتلالها عام 1967.

ثانيا: إزالة كاملة للمستوطنات الإسرائيلية التي تم إنشاؤها فوق أرض محتلة، خلافا للقانون الدولي. ويشمل ذلك بالطبع مدينة القدس ومحيطها.

ثالثا: إنشاء دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة كاملة.

رابعا: رفض فكرة تبادل الأراضي في أثناء التفاوض.

خامسا: طلب تعويض فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، عن كل التخريب الذي أحدثه الاحتلال، على صعيد الناس، والأرض، والممتلكات، و يمكن أن تكون المستوطنات التي بنيت في الضفة الغربية، جزءا من عملية التعويض.

سادسا: صياغة مشروع حل يضمن حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة تطبيقا للقرار 194 الصادر عن مجلس الأمن عام 1948، والذي طالبت به مبادرة السلام العربية.

سابعا: إذا رفضت إسرائيل التسليم بحق العودة، يكون الاتفاق الذي يتم التوصل إليه (خاليا من هذا البند) اتفاق هدنة، واتفاقا لإزالة آثار العدوان الذي تم عام 1967، وليس اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

هذه البنود، وكل ما هو مثيل لها، لا بد أن تُكتب، وأن تُعلَن، وأن تُبلَغ إلى إسرائيل، وإلى الرئيس الأميركي، وإلى كل معنيّ بالأمر.

أما مع الرئيس أوباما، فإننا ننتظر شكل المفاوضات التي سيدعو إليها بعد أن يعلن نتنياهو خطته للسلام. فإذا قال أوباما: «ليذهب الطرفان ويتفاوضا بعد أن أعددت أنا من ناحيتي المناخ المناسب لطاولة المفاوضات»، فإنه يكون بذلك قد أعلن فشل المفاوضات منذ لحظتها الأولى، لأن هذه القاعدة تعني إجراء المفاوضات استنادا إلى منطق القوة، القوة التي يعبّر عنها جيش الاحتلال الإسرائيلي. وهي طريقة مفاوضات جرت طوال سنوات وفشلت، جرت بموافقة إسرائيلية وبدعم أميركي وفشلت، والتفاوض الوحيد الذي يمكن أن ينجح هو التفاوض الذي يتضمن مرجعية يحتكم إليها الطرفان الذي يقوم على قاعدة القانون الدولي والشرعية الدولية، وهو أمر ترفضه إسرائيل منذ مؤتمر مدريد 1991 حتى اليوم، وهو أيضا موقف تباركه الرئاسة الأميركية. وإذا أراد أوباما أن يقوم بفعل تاريخي، إذا أراد أن يقوم بتغيير حقيقي كما أعلن بنفسه، فإن الطريق إلى ذلك هو الإعلان عن أن القانون الدولي، والشرعية الدولية، هما قاعدتا التفاوض بين العرب والإسرائيليين.

إن هذه الوجهة هي الأمر الناقص في خطاب أوباما في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وبها يكتمل الخطاب ويصبح جديرا بالترحيب الكامل.