انقلاب خامنئي

TT

كان من المتوقع حدوث تلاعب واسع النطاق في الانتخابات الإيرانية، ولكن قلة هم من كانوا يتوقعون أن القائد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي كان يفكر في انقلاب عسكري. فبإعلان فوز محمود أحمدي نجاد، أرسل خامنئي رسالة صريحة إلى الغرب: فإيران سوف تستمر في برنامجها النووي ودعمها لحزب الله اللبناني وحماس الفلسطينية وفي سياستها الإقليمية المتحدية.

وفي شوارع طهران والمدن الكبرى الأخرى، تواجه قوات مكافحة الشغب وأعضاء حرس الثورة الإسلامية وميليشيا الباسيج، المتظاهرين الإصلاحيين المحتجين على نتائج الانتخابات، وقد قطعت الحكومة وصلات شبكة الإنترنت وخدمات الهواتف الجوالة وأعاقت البث التلفزيوني والإذاعي للقنوات الأجنبية، وطرد معظم الصحافيين الأجانب في إيران الذين كانوا يغطون الانتخابات في أعقاب انتهاء الاقتراع، واعتقل أكثر من مائة قائد من الحركة الإصلاحية حتى الآن، بينما خضع البعض الآخر للاعتقال في المنزل، ومع ذلك طلب خامنئي من المرشحين ألا يجادلوا في نتائج الانتخابات.

وقد اعتذرت مجموعة إصلاحية تطلق على نفسها اسم مجلس الشيوخ العسكريين يقوده الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي إلى الشعب الإيراني لعدم قدرتها على حماية أصوات الناخبين وطالبت الحكومة بالتراجع عن تلك النتيجة والشروع في انتخابات جديدة.

وفي تصريح طالب اثنان من مرشحي الرئاسة هما مير حسين موسوي ومهدي كروبي الشعب الإيراني بالاستمرار في التظاهرات السلمية في جميع أنحاء البلاد، وانتقدوا الحكومة لاستخدامها العنف ضد المتظاهرين.

وتأتي مشاركة أكثر من 80% من الإيرانيين في الانتخابات نظرا لأن منافسي نجاد الثلاثة قد نجحوا في حشد الأغلبية الصامتة في إيران، خاصة قبل الانتخابات بأسبوعين، وقد حذر ثلاثتهم بوضوح من مخاطر سياسات نجاد المحلية والدولية.

وعلى الرغم من أن نجاد يتمتع بتأييد المرشد الأعلى ذي النفوذ الواسع في إيران، فقد أظهرت كل استطلاعات الرأي ذات المصداقية داخل إيران وخارجها الانخفاض الشديد لشعبية نجاد ـ خاصة في أعقاب مناظرات تلفزيونية في إطار الحملة الانتخابية ـ حتى في المناطق الريفية وبين الطبقة العاملة.

لقد وصل نجاد للسلطة قبل أربع سنوات عبر انتخابات مخططة ببراعة، وقد أعلن خامنئي هذه المرة ـ قبل إعلان وزارة الداخلية الرسمي عن نتائج الفرز ـ أن نجاد حصل على أكثر من 24 مليون صوت متجاوزا بذلك الرقم الذي وصل إليه خاتمي قبل 12 عاما.

وقد وصف كل من موسوي وكروبي النتائج بأنها انتخابات «سخيفة»، وقال موسوي إن الإعلان ببطلان الانتخابات هو الطريقة الوحيدة الآن لاستعادة ثقة الجماهير. ولم يمنع البيان الذي أصدره المرشد الأعلى في أعقاب نتيجة الانتخابات ووصف فيه النتيجة بأنها «ملحمة شعبية» تمت عبر «انتخابات نزيهة وحرة تماما» المؤيدين للمرشحين الإصلاحيين المصدومين من الشغب خلال الإجازة الأسبوعية هاتفين «فليسقط الدكتاتور».

وفي وقت سابق خلال العام الحالي وفي خطابه بمناسبة حلول العام الإيراني الجديد (نيروز)، أصبح الرئيس الأميركي باراك أوباما هو الرئيس الأميركي الأول منذ أزمة الرهائن الذي يوجه خطابا للقادة الإيرانيين والجمهورية الإسلامية بدلا من النظام الإيراني، وحرصت إدارة أوباما على ألا تتخذ أي موقف يمكن أن يفسر على أنه مساندة لمرشح معين في الانتخابات الإيرانية.

وبالتأكيد كان فريق أوباما للشؤون الإيرانية يلاحظ انخفاض شعبية نجاد وكان ينتظر ليرى ما سوف يحدث. وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز وقادة حركة حماس الفلسطينية وقيادات الإخوان المسلمين في مصر من بين أول المهنئين للرئيس نجاد فإن الناس في كل مكان ـ وبالتأكيد في إيران ـ توقعوا أن تتكلم الولايات المتحدة. فالانقلاب العسكري يمثل نقطة تحول في سياسات إيران المحلية والدولية لا يستطيع الغرب تجاهلها، ولرد فعل الولايات المتحدة تحديدا أهمية كبرى ليس فقط بالنسبة للحركة الديمقراطية في إيران بل بالنسبة لكل الديمقراطيين في الدول الإسلامية الذين يعانون تحت وطأة حكومات مستبدة.

وبالتنسيق مع الأوروبيين والأمم الأخرى، يجب على الولايات المتحدة أن ترد على الرسالة التي أرسلها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، وذلك بإدانة الانتخابات وتأييد مطلب الشعب الإيراني بإعادة نزيهة وحرة للاقتراع تحت إشراف مراقبين دوليين.

ولدى الإيرانيين ذاكرة حية لتورط الولايات المتحدة في انقلاب الخمسينات ضد حكومة محمد مصدق، ويتوقعون ألا تكرر إدارة أوباما نفس الخطأ في هذا الوقت الحرج في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، وذلك بإدراك أن الانقلاب سيتم تحت غطاء الانتخابات الحالية.

وسيكون من السهل وضع نهاية لبرنامج إيران النووي المثير للجدل وسياسة إيران الخارجية المتحدية بالتعاون مع إيران ديمقراطية بدلا من الحكومة العسكرية الموجودة في السلطة حاليا. ولن ينسى المجتمع الإيراني هذه اللحظة التاريخية وهو ينتظر لكي يرى كيف ستكون ردة فعل العالم الحر.

* زميل أول في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.. ومؤلف كتاب «السياسات الإيحائية: حول عقلانية السياسة الإيرانية».

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»