من عرفتهم من النهمين

TT

لا بد أن أكثرنا سمع بالعجيب من حكايات النهمين والشرهين ومحبي الأكل إلى حد المرض في أيامنا هذه. الحقيقة أن الإمعان في الأكل أصبح من المشاكل التي تهدد مستقبل البشرية بما تتركه من آثار سيئة على الصحة والبيئة والاقتصاد الوطني.

كثيرا ما اندهشت من سلوك بعض النهمين. من ذلك ما عرفته عن الشرطي العراقي الذي كان يخدم في بيت ابن عمي عبد الرحمن عندما كان مديرا لشرطة البادية في العراق، البادية التي امتدت من السماوة إلى حدود المملكة العربية السعودية وضمت بين كثبانها ذلك السجن الرهيب، سجن نقرة السلمان. كان القوم قد أعدوا ذبيحة، خروفا محشيا بالرز واللوز والزبيب على عادة الولائم العربية. بيد أن البعض آثروا أكل لحم الغزال والخروج للصيد لهذا الغرض. خرجنا وقضينا عدة ساعات وراء القنص ولكننا لم نوفق إلى شيء. قررنا الرجوع لنأكل الخروف المحشي. عدنا إلى بيت مدير الشرطة وإذا بنا نكتشف أن الشرطي الخادم، وقد رأى أننا خرجنا للصيد وتركنا الخروف، أعمل كلتا يديه فيه فأكله بكامله مع ما فيه من رز واحاطه من خبز ولبن وسمنة. عبثا حاولنا العثور على أي شيء تبقى منه! بالطبع انهال ابن عمي بالضرب على الشرطي المسكين لما قام به من أكل الخروف وترك الأفندية، ضيوف المدير جوعى بدون طعام.

مما قرأته في هذا السياق عن الشره والنهمة، حكاية ما يمكن أن أسميه مجازا بشهيد الفول. روت حكايته إحدى الصحف المصرية فقالت إنه كان عاملا بسيطا وفقيرا حظي بوليمة عرس شعبي احتلت فيه أكلة الفول مكانا رئيسيا على شأن الطبقة العاملة في مصر. ظل يأكل من الفول ما أتخمه واضطره إلى العودة إلى غرفته الصغيرة فأوصد الباب والشباك في ذلك الشتاء القارس. ألقى بجسمه على الفراش واستغرق في نوم عميق. أفاد جيرانه فيما بعد إلى الشرطة بأنهم سمعوه طوال الليل وكأنه يشق قماشا بصوت عال وتكرار مستمر. اكتشف المحقق أن الرجل قد أطلق بفعل ما أكله من الفول كمية من غاز الكبريتيد من بطنه ما ملأ الغرفة بالغازات السامة وتسبب في تسمم الرجل وموته. ذهب رحمه الله شهيدا للفول وغاز الكبريتيد. وكانت أول مرة أسمع فيها عن رجل يقتله الغاز المنطلق من بطنه.

ينشغل العراقيون في هذه الأيام بأنباء مباريات كرة القدم، وأحيانا مباريات التنافس على المناصب والسرقات. في عهد أيام الخير من الحكم الملكي كانوا يتبارون على أكل الكبة. كم كباية موصلية تستطيع أن تأكل؟ الكبة الموصلية قرص بقطر يقرب من ثلاثين سنتمترا من البرغل المعجون باللحم والشحم. في داخله كمية سخية من اللحم واللوز والبصل. المعتاد لنا، أنا وزوجتي وأولادي أن نتغدى بكباية واحدة نتقاسمها بيننا. ولكن أبطال الكبة كانوا يتبارون على أكل عشرين أو ثلاثين واحدة. غالبا ما نُقل أبطال المباراة إلى المستشفى بعد العشر أو عشرين كباية. كثيرا ما أتساءل عن دور أكل الكبة في ما وقعوا به منذ ثورة 1958.

www.kishtainiat.blogspot.com