ظاهرة المواطن الصحافي

TT

ليست هذه هي المرة الأولى التي يلعب فيها الجمهور مباشرة دور الصحافي الناقل للأخبار والصور، لكن الأحداث التي شهدتها إيران خلال الأسبوع الأخير منذ الانتخابات الرئاسية كثفت بشكل غير مسبوق ظاهرة ما يسمى بالمواطن الصحافي في نقل الأخبار والصور وتغطية الأحداث في ضوء التقييد الذي لاقته وسائل الإعلام هناك، وعدم قدرة الصحافيين هناك، خاصة الأجانب، على نقل الأحداث مباشرة من الشارع.

ومثل أحداث أخرى سابقة لعبت شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، التي ظهرت على الساحة في السنوات الأخيرة، دورا رئيسيا في ما يشبه لعبة القط والفأر بين المحتجين والسلطات، ومثلما كانت هناك ثورة أو احتجاجات نظمت على موقع «الفيس بوك» سابقا، وأصبح هناك ما يطلق عليه الآن «ثورة التويتر» التي ارتبطت بأحداث إيران، وهو الموقع الجديد الذي لاقت السلطات هناك صعوبات في حجبه، وبالتأكيد ستكون هناك في المستقبل مواقع أو أدوات أخرى تستخدم في مناسبات أو احتجاجات سياسية.

هذه المواقع أو الأدوات، التي يستخدمها ويتقنها الشباب عادة، وكالعادة تجد السلطات نفسها متأخرة خطوة أو خطوتين عنهم حتى تفهمها وتدرك مفاتيحها، لم تكن أصلا مخصصة لأغراض سياسية أو لتنظيم احتياجات بقدر ما هي مواقع تواصل وصداقات اجتماعية، وهي في نسبة الاستخدام الأعظم لها في إطار هذا الغرض في المجتمعات الغربية، وكأي ظاهرة لها تفاعلها الذاتي اكتشفت الشركات والأعمال أنه يمكن أن يكون لها جانب تجاري يروج لأعمالها، كما اكتشفها أصحاب الأفكار الجديدة فخلقوا من خلالها مشاريع وأعمالا، كما اكتشفها السياسيون والمعارضون وسيلة لتوصيل أصواتهم.

وخرجت من بطن هذه المواقع ظاهرة المواطن الصحافي، كما رأينا في الحالة الإيرانية بشكل مكثف، فالكثير من الصور والأخبار نقلت إلى وسائل الإعلام العالمية من خلال إيرانيين مجهولين أو بأسماء مستعارة، حملوا الصور أو الأخبار على هذه المواقع، وسهل من ذلك تطور تكنولوجيا الاتصالات وأجهزة الهاتف الجوال، وكان الفأر أسرع من القط في لعبة المعلومات.

وعلى عكس بعض النظريات التي تقول إن هذه الأشكال الجديدة من الإعلام الجماهيري ستأكل دور الإعلام التقليدي، ثبت أن الطرفين يكملان بعضهما، فالمواطن الصحافي يقوم بدور المخبر على الأرض لكنه يحتاج في نهاية الأمر إلى وسيلة إعلام كبرى لها انتشارها، فهي علاقة أو شكل جديد من أشكال التواصل بين الإعلام والجمهور ينقلان الإعلام إلى آفاق جديدة لا تزال في طور الاستكشاف.

وكأي ظاهرة جديدة فإن لها أعراضها الجانبية، فليس كل ما ينقل عبر المواقع أو من خلال هذا الإعلام المباشر صحيحا، كما أنه يمكن التلاعب به، وقد يكون في أحيان مدسوسا في إطار حرب الإعلام، كما أن التعليقات في أحيان كثيرة تكون خارج بروتوكول اللياقة في استخدام الكلمات المستخدمة في وسائل الإعلام العادية. والأعراض الجانبية هذه موجودة منذ فترة كما نرى في بعض المواقع الإنترنتية العربية من خلال تعليقات المشاركين التي تحمل في بعض الأحيان الكثير من السباب والقليل من الأفكار.

مع ذلك فإن الظاهرة في إطارها العام لا جدوى من السعي لتقنينها، وهي تطور طبيعي إيجابي مثل السيل لا يمكن وقفه حتى لو كانت له أعراضه الجانبية التي لابد أن تصحح نفسها بنفسها مع الاستخدام والتجربة، وكما هي مفيدة في السياسة والتواصل الاجتماعي فإن لها فائدة كبرى اقتصادية، وفي التطور الاجتماعي، وقد ثبت أن محاولات الحجب والتقييد فاشلة لأنها أشبه بمحاولة تغيير الساعة عنوة وإعادة الزمن إلى الوراء.