في انتظار العودة إلى الديار

TT

يوجد في الوقت الحالي حوالي 42 مليونا من ضحايا النزاعات والاضطهاد في أنحاء العالم، يعيشون كلاجئين أو مشردين داخل بلدانهم، العديد منهم لسنوات طويلة. ومن بين هؤلاء، يوجد ما يقرب من 6 ملايين لاجئ يعيشون في المنفى ـ غالبيتهم في مخيمات ـ لمدة 5 سنوات أو أكثر، فيما يطلق عليه العاملون في مجال الإغاثة الإنسانية اسم «حالات اللاجئين طويلة الأمد». إلا أن هذه الحالات طويلة العهد للاجئين لا تشمل ملايين الأشخاص الآخرين المشردين، الذين نزحوا داخل بلدانهم نفسها، الذين يفوق عددهم بكثير عدد اللاجئين في العالم. والعديد من هؤلاء لم يستطيعوا أيضا العودة إلى ديارهم، في بعض الأحيان لمدة عقود من الزمان.

ورغم أن القانون الدولي يفرق بين اللاجئين والنازحين داخليا، فإن مثل هذا التمييز والتفرقة يبدو عبثا في تقدير من أجبروا على الخروج من ديارهم، وفقدوا كل شيء. فالأشخاص المرحلون يستحقون المساعدة على قدم المساواة، سواء عبروا حدودا دولية أم لا. لهذا السبب، تعمل المفوضية مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى لإمداد النازحين داخليا سويا بالمساعدة التي يحتاجون إليها، تماما كما نفعل نحن مع اللاجئين. لكنْ أمامنا طريق طويل علينا اجتيازه.

وأثناء انتظارهم للحل، فإن كلا من اللاجئين والأشخاص النازحين داخليا يحتاجون إلى الغذاء، والمأوى، والعناية الطبية، والصرف الصحي، والأمن، والمدارس لأطفالهم وضروريات الحياة الأخرى. وبكل أسف، فإن العديد منهم لا يحصل على احتياجاته. وقد قامت المفوضية التي تعتمد بشكل شبه كامل على التمويل الطوعي، مؤخرا بإجراء مسح أظهر فجوات منذرة بالخطر، فيما يتعلق بتلبية الاحتياجات الأساسية.

ففى الكاميرون، على سبيل المثال، يعاني اللاجئون من جمهورية أفريقيا الوسطى من انتشار سوء التغذية الحاد بنسبة 17 في المائة بين الأطفال، كما ترتفع معدلات الوفيات في بعض المناطق إلى سبعة أمثال ما يعتبر مستوى الطوارئ. وأقل من ثلث الفتيات من اللاجئات يذهبن للمدارس.

وفي الإكوادور، كثير من المشردين الكولومبيين يجهلون تماما حقهم في طلب اللجوء، في الوقت الذي يعيش فيه الآلاف منهم في مناطق نائية، ويخافون أن يتقدموا إلى مناطق أقرب منها. ويتعرض السكان الأصليون والنساء العازبات والفتيات إلى الاستغلال وسوء المعاملة.

وفي جورجيا، لا يزال الأشخاص الذين نزحوا داخليا منذ 15 عاما يعيشون في أحياء عشوائية، داخل مراكز جماعية مكتظة تفتقر إلى العزل من البرد وشبكات الصرف الصحي الفعالة.

وفى تايلاند، يعيش ما يربو على 100 ألف لاجئ وملتمسي اللجوء من ميانمار منذ سنوات عديدة في مخيمات مزدحمة، في ظل إحباط لا نظير له، يؤدى إلى تصاعد العنف الأسري وغيره من أشكال سوء المعاملة.

وتدفع البلدان المضيفة الفقيرة وهي أقل البلدان قدرة على تحمل الأعباء، الثمن الأفدح. ورغم التقارير التحذيرية التي يطلقها السياسيون ووسائل الإعلام الذين يسعون لكسب الجماهير حول «فيضان» ملتمسي اللجوء في بعض البلدان الصناعية، فإن الواقع يقول إن 80 في المائة من عدد اللاجئين في العالم يعيشون في البلدان النامية، وكذلك الغالبية العظمى من الأشخاص النازحين داخليا. ومع استمرار الصراعات التي لا يتم إيجاد حلول سياسية لها، فإن الضغط على العديد من هذه البلدان النامية قد اقترب من نقطة الانفجار. فهي في حاجة إلى المزيد من العون الدولي. وبدون ذلك، فإن المفوضية وغيرها من وكالات المعونة ستكون مجبرة على اتخاذ قرارات تنفطر لها القلوب، بشأن الضروريات والاحتياجات التي ينبغي التخلي عن توفيرها للأسر المشردة.

إن قدرتنا على تقديم العون للأشخاص الذين في أمس الحاجة إليه تتعرض كذلك لاختبار قاس بسبب تقلص «المساحة الإنسانية»، التي يتعين أن نعمل من خلالها. إن طبيعة الصراع تتغير، حيث تتزايد الجماعات المسلحة ـ التي ينظر بعضها إلى العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية كأهداف مشروعة. فقد لقي اثنان من موظفي المفوضية مصرعهم في باكستان فقط خلال الشهور الخمسة الأخيرة، آخرهم في 10 يونيو (حزيران) في تفجير فندق بيرل كونتيننتال في بيشاور. فكيف نستطيع تلبية الاحتياجات العاجلة لملايين الأشخاص النازحين مع ضمان سلامة موظفينا أنفسهم؟ كما أننا نواجه مواقف متصلبة بشأن سيادة الدول، لا سيما في حالات الأشخاص النازحين داخليا. إن التفرقة بين العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية والجنود يمثل خطرا واضحا، لا سيما في حالات حفظ السلام حيث لا يوجد سلام لحفظه.

لقد أدت الأزمة الاقتصادية العالمية، واتساع فجوة الفوارق بين الشمال والجنوب، وزيادة العداء للأجانب، وتغير المناخ، واندلاع صراعات جديدة مرتبطة بذلك وتفاقم الصراعات القديمة كلها مجتمعة إلى التهديد لاتساع نطاق مشكلة النزوح الضخمة بالفعل. ومنذ بداية العام، نزح ملايين الأشخاص الآخرين فى باكستان، وسرى لانكا، والصومال، وأماكن أخرى. ونحن نكافح للتعامل مع هذا الأمر.

إن يوم 20 يونيو (حزيران) هو يوم اللاجئ العالمي، وهو مناسبة طيبة لنتذكر الـ42 مليون شخص المشردين في كل أنحاء العالم، الذين لا يزالون ينتظرون العودة إلى ديارهم. إنهم من أشد الأشخاص استضعافا على وجه الأرض، وينبغي أن تكون لهم الأولوية. إن المجتمع الدولي نفسه الذي تعهد بإنفاق مئات المليارات لإنقاذ الأنظمة المالية، ينبغي أن يشعر كذلك بالالتزام تجاه إنقاذ حياة البشر في مثل هذا الوضع البائس من الحاجة.

*المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.