نتنياهو يشعر بوطأة الأزمة

TT

اعترف أخيرا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالحاجة لإقامة دولة فلسطينية مع وجود تحفظات. وفي الحقيقة فإن فلسطين التي يطرحها نتنياهو هي في الأساس مجموعة من القيود مع الاحتفاظ بقدر ضئيل من صبغة الدولة للحفاظ على المظاهر.

وفي خطابه، فشل رئيس الوزراء في معالجة قضية استمرار نمو المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، حيث يعيش أكثر من 300 ألف مستوطن إسرائيلي.

ويجب أن تتقلص فلسطين التي يتصورها نتنياهو، كي تتناسب مع العدد المتزايد من المستوطنين الإسرائيليين في وسطها، فهي ستصبح بالكاد مجموعة من الكانتونات المتجاورة.

وبرفضه الاعتراف بتوسع المستوطنات، تجنب نتنياهو، حربا مع قوي اليمين المتشدد في ائتلافه الحاكم، إلا أنه طلب من قادة السلطة الفلسطينية أن يقبلوا دولة لا يستطيع أن يقبل بحدودها طواعية أي فلسطيني. فهو يطلب فلسطين منزوعة السلاح، كما أنه يطالب السلطة الفلسطينية بقمع حماس كشرط لبدء المفاوضات مع إسرائيل، وهو الشيء الذي يعلق عليه زميلي غيرشوم غورنبرغ في مجلة «أميركان بروسبيكت» بأنه شيء عجزت دولة إسرائيل قوية التسليح عن القيام به.

وبرفضه معالجة قضية المستوطنين، ربما يكون نتنياهو، قد عجل بالصدام ليس فقط مع منتقدي إسرائيل الدائمين ولكن مع مؤيديها الدائمين على السواء. حيث ترى إدارة أوباما، والديمقراطيون في الكونغرس، الذين كانوا يدافعون دائما عن المصالح الإسرائيلية، بالإضافة إلى قطاع كبير من اليهود الأميركيين أن نمو المستوطنات يمثل عقبة رئيسية أمام حل الدولتين، وبالتالي فإنه يمثل تهديدا لبقاء إسرائيل على المدى الطويل.

وتتحدث الحكومة الإسرائيلية عن «النمو الطبيعي» للمستوطنات، ولكن غاري أكرمان، عضو الكونغرس الديمقراطي عن منطقة كوينز يقول: «إن إنجاب الأطفال لا يمكن أن يصبح عذرا لتوسيع المستوطنات. فلا يجب أن يتوسع أي من الجانبين خلف حدودهما أو أن يهاجم الجانب الآخر. لا توسعات، لا أعذار، ولا غش ولا خداع ولا بأي طريقة ممكنة».

وتدعم الموافقة الصريحة، التي تحظى بها هذه المقاربة بين اليهود الأميركيين، قرار الإدارة والكونغرس بالضغط على الإسرائيليين ـ بمقدار لا يقل عن الفلسطينيين ـ من أجل التوصل إلى تسوية.

فقد أظهر استقصاء أجرته «جي ستريت» ـ وهي مؤسسة تابعة لليهود الأميركيين، ترحب بالتوصل إلى اتفاقية إقليمية ـ في مارس (آذار) أن حوالي 72 في المائة من بين اليهود الأميركيين يؤيدون ضغط الولايات المتحدة على إسرائيل وجيرانها العرب، للتوصل إلى اتفاق، بينما يؤيد حوالي 57 في المائة على نحو لافت ضغط الولايات المتحدة على إسرائيل فقط. كما أظهر الاستطلاع كذلك أن نحو 60 في المائة يعارضون توسيع المستوطنات.

وتعكس هذه الأرقام التغير الذي حدث في نمط حياة اليهود الأميركيين وطريقة تفكيرهم، التي كانت تتشكل منذ عقود.

فعلى المستوى الواسع، أخذت الرابطة العاطفية بين اليهود الأميركيين وإسرائيل تفتر على مدار سنوات عديدة. وعلى مستوي أدنى، فإن في العقدين الماضيين، تكونت مجموعات من اليهود الأميركيين التي تحاول ممارسة الضغوط على الحكومة الأميركية للضغط على إسرائيل من أجل حل الدولتين، وهو ما يعادل بوضوح الضغط الذي تمارسه بصفة عامة مؤسسات مثل «إيباك» على الحكومة الأميركية لكي تنفذ أيا ما كان الذي تريد الحكومة الإسرائيلية فعله.

وقد زادت مؤسسة «جي سترييت باك»، وهي مؤسسة نشأت منذ ثلاث سنوات فقط، التمويلات التي تدفقها لأعضاء الكونغرس لكي يدعموا السياسات التي تؤدي إلى حل الدولتين، مثلما تشجع مؤسسة الشؤون العامة الإسرائيلية الأميركية (إيباك) مؤيديها للتبرع للمرشحين الذين يعتمدون سياسات أكثر تشددا.

ولكن لماذا ضعف الارتباط بين هوية اليهود الأميركيين وإسرائيل خلال العقود القليلة الماضية؟ خلال نشأتها، وفي العقود التي تلت تلك النشأة، كانت إسرائيل تحظى بالتأييد الكامل لليهود الأميركيين، ولكن في الـ42 سنة الأخيرة من عمر الدولة الذي يصل إلى الواحد وستين سنة، فرضت إسرائيل هيمنتها على الفلسطينيين، الذين ليسوا مواطنين لإسرائيل أو لفلسطين، فهم بلا دولة. وهي حالة يجب أن تكون مألوفة لليهود.

وبالطبع يقع لوم كونهم بلا دولة على عاتقهم، مثلهم في ذلك مثل الإسرائيليين، ولكن دور إسرائيل في الكارثة الفلسطينية قد أدى إلى وهن الارتباط بين اليهود الأميركيين وإسرائيل.

وبكل المعايير فإن اليهود الأميركيين ما زالوا ملتزمين بالليبرالية والحقوق العالمية وحقوق الأقليات.

وكدولة ديمقراطية قامت على رماد الهولوكوست، مثلت إسرائيل في وقت من الأوقات هذه القيم بالنسبة لمؤيديها، ولكن تركت 42 سنة من الاحتلال، إسرائيل كدولة تخضع فيها هذه القيم للاختبار أكثر من كونها دولة لتعزيز تلك القيم.

ومعظم مؤيدي إسرائيل من اليهود الأميركيين المتحمسين هم من الأرثوذكس، الذين يعترفون بها لأسباب فئوية أكثر منها أسباب تتسم بالشمول. وكل ذلك يترك المجال للرئيس أوباما، لكي يحاول أن يضع حلا لأكثر الصراعات على الأرض خطورة ومهابة.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»