تظاهرات إيران: ثورة ناقصة

TT

ثبّتَت الصور الحية والفاجعة لقتل الشابة الإيرانية ندا برصاص حي خلال تظاهرات طهران ودقائق مفارقتها للحياة وسط ذهول وصراخ والدها، دورَ الإعلام البديل من هواتف وإنترنت في الحدث الإيراني الراهن بعد أن عطلت السلطات وعلى نحو عنيف وفظّ التغطية الإعلامية التقليدية محليا وعالميا.

غدت ندا التي مُنع ذووها من إقامة مجلس عزاء لها رمز ما بات يُعرف بالثورة الخضراء في إيران والتي تهزّ البلاد منذ نتائج الانتخابات الأخيرة وبات العالم يعتمد في معرفته للخبر الإيراني على ما يلتقطه الإيرانيون أفرادا وجماعات عبر هواتفهم وعبر كاميراتهم الصغيرة.

صحيح أن مشاهد صادمة كتلك التي تناقلتها الهواتف ومواقع الإنترنت لندا ولصدامات ومواجهات واعتقالات دارت وتدور في إيران، قد كرّست عجز الأنظمة عن كبح تقنيات التواصل الحديثة، لكنها ربما تطرح معضلة جديدة تتعلق بحدود تلك التغطية وشموليتها.

ثورة الهواتف المحمولة في إيران نقلت إلى الإيرانيين قبل غيرهم مشاهد القمع والاستهداف على نحو عارٍ لا لبس فيه.

هل تلك هي الحقيقة الوحيدة؟

من المبالَغ فيه القول إن سياسة المنع والحظر الممارس على الإعلام في إيران لم تثمر وإن المشاهد الواردة من إيران هي صفعة على وجه النظام.

إن ثبت أن تلك الخروقات المشهدية صفعة ـ ويقيني أنها كذلك ـ فهي صفعة على الخدّ لكنها لن تشلّ النظام أو تعطل قدرته على ممارسة مزيد من الضغط والاحتواء, إذ ما زالت المساحة التي يمكن أن توفرها وسائل الاتصال التقليدية قادرة على النفاذ وعلى الشمول على نحو أكبر مما تتيحه صور الهواتف رغم عالميتها، وهذا هو سبب استمرار التضييق عليها.

ما تمكنت الثورة المعلوماتية من نقله هو لحظة انفجار الأزمة كمقتل الفتاة وصدامات المتظاهرين، أما الصورة الكاملة أو الأكثر شمولا للمشهد الإيراني فإن تلك التقنيات تعجز عن نقلها، وهذا تماما ما نجح القمع في تعطيله.

يمكن لنا أن نرى ندا تُقتل، لكن السلطات منعت ذويها من إقامة مجلس عزاء، وحتما فإن عائلتها بأكملها تحت رقابة مفرطة، فليس بمقدورنا أن نرى أين عاشت ندا وبماذا كانت تحلم وبما كانت تفكّر لحظة نزولها إلى الشارع. تتيح لنا الهواتف أن نرى صور المتظاهرين يهربون من الهراوات، لكن قد لا تتيح لنا معرفة إلى أين يهربون، ولا تجيب عن سؤال ماذا سيفعلون في الغد ومن هم وماذا حلّ فعلا بهم.

ثمة ارتباكات أخرى أحدثها اقتصار الصورة على تلك التي يرسلها الهاتف الخلوي، فالخبر حين يكون مصدره شخصا فردا أو مجموعة لا يمكن التحقق من دقته، أحدث ذلك إرباكا في تغطية إيران.

مثلا، هناك حاجة ملحّة إلى التدقيق في ما تقوله المعارضة لجهة التزوير الهائل في الانتخابات، وهذا أمر أعاقه أيضا قمع الإعلام، ولن تتمكن كاميرات الهواتف من رصده.

الخلاصة هي أنه وعلى رغم الأهمية الفائقة لوسائل الاتصال الجديدة، فإن الإعلام التقليدي ضرورة أيضا.

diana@ asharqalawsat.com