إبادة النوارس

TT

أول شيء تقوم به الثورات والانقلابات والأنظمة المطلقة هو إغلاق جميع النوافذ والمسارب وعزل البلاد عن العالم الخارجي على نحو مطبق. وقيل إن بعض الأنظمة الشيوعية عمدت إلى إبادة طيور النورس لكي لا تحمل رسائل إلى البلدان الأخرى، حيث الرأي متداول والصحافة حرة والمقاهي أكثر أعدادا بكثير من السجون.

الجمهورية الإيرانية لم تأتِ بأي جديد: طردت الصحافيين وألزمت الباقين بالبقاء في مكاتبهم وعطلت شبكات الهاتف وألغت سبل الاتصالات. وكل ما بقي للاطلاع هو ما اخترقته وسائل الإنترنت من صور وأخبار. لكن لنتصور للحظة واحدة أن التغطية الإعلامية لحركة مير موسوي كانت مفتوحة كما كانت الحال في الأيام الأخيرة للشاه والأيام الأولى للثورة.

برغم النظام المطبق والرقابة المطلقة فوجئت جمهورية أحمدي نجاد بنسبة الإقبال المذهلة على الاقتراع، ثم بردة فعل المجموعات المعارضة على نوعية النتائج. فالنظام كان يعتقد انه يمتلك الأكثرية الساحقة في الصناديق. وفي الصمت. وبدا من الصور الأولى التي خرجت من طهران أن جميع الأنظمة السرية تقع في الخطأ نفسه، أو بالأحرى تكرره. ذلك أنها لكثرة ما تكرر اللفظيات الخالية من المادة، تتحول هي إلى ضحيتها الأولى، ويغيب عنها أنه يستحيل صنع الحقائق من خلطات هوائية.

جميع الثورات، على اختلاف آيديولوجياتها، حفرت الخندق نفسه ووقعت في البيئة نفسها، بصرف النظر عن طول المهل أو قصرها. والأشهر الأولى للثورة الإيرانية التي ترفع شعار الدين كانت منسوخة نسخا مزعجا عن الأيام الأولى للثورة الشيوعية في كوبا: مساء كل يوم «محاكمة» تلفزيونية لأعداء الثورة، وصباح اليوم التالي «وجبة» إعدام جديدة، كما سماها العراقيون أيام أحمد حسن البكر.

شبّه البعض مير موسوي بأنه تروتسكي الجمهورية والبعض الآخر بأنه غاندي. لكن وضع موسوي في الثورة الإسلامية ليس وضع تروتسكي في الثورة البولشفية. ولا هناك تقارب في الطباع والسيرة والميل إلى العنف والتخريب والدعوة إلى إبادة ملايين الناس من أجل إقامة «عالم خال من الأشرار». ولا هو غاندي أيضا. فالصور التي نقلت لجماهيره في الداخل والخارج لا تترك مجالا للشك في أن هدف الإصلاحيين ليس البقاء ضمن النظام في نهاية المطاف. هذه كذبة حلوة يتبادل الطرفان فوائدها الآنية. ولو كان ملايين الشبان يريدون الإبقاء على النظام فلماذا الاقتراع ضد أحمدي نجاد في المقام الأول؟