ثلاثة ثوابت بعد الانتخابات

TT

كرّست الانتخابات النيابية اللبنانية ثلاثة ثوابت أساسية. أولها أن الأكثرية أكثرية حقيقية تعبّر عن واقع شعبي وليست أكثرية مزيفة. فالانتخابات لم تقم على تحالفات انتخابية، إنما قامت على تحالفات سياسية واضحة. أما الثابت الثاني فهو أن عودة الأكثرية أعطت رسالة إقليمية دولية واضحة ودفعت بعض القوى إلى الأمام، فقد تغير مسار إدارة الحوار السعودي السوري وتغيرت قواعده. كما لجمت هذه العودة قوى أخرى كانت ذاهبة باتجاه فوز أكيد لقوى «8 آذار» كما حصل مع الحكومة الفرنسية التي بنت بعض سياساتها على هذا الاستنتاج. كذلك فإن التعامل العربي مع إيران أصبح بالإمكان أن يتم بطريقة مختلفة وأكثر راحة.

وتبقّى الثابت الثالث الذي أكد لقوى «8 آذار»، وتحديدا «حزب الله»، أن فائض القوة العسكرية يصرف في الانتخابات بطريقة عكسية، فقد انقلب صرفه بشكل سلبي في صناديق الاقتراع. وإذا أصرّت هذه القوى على أن نتائج العملية الديمقراطية لا تحتاج إلى إعادة نظر في النهج والسلوك والأداء، لا بد لها من الانتباه إلى أن ما يحصل في إيران يعطي دفعا مضاعفا لقوى الأكثرية. فالانتخابات أوضحت لفريق الأقلية أن هناك ثغرة بعدم اللجوء إلى الواقع الديمقراطي. هذه الثغرة تسببت بأزمة لقوى «8 آذار»، وبالتالي فإن عدم اعتماد الديمقراطية هو ما أدى إلى خسارتها. أما اعتماد الديمقراطية الكاملة فيبقى مخرج الأزمات، وأي تلاعب بهذا المبدأ سينعكس سلبا على المتلاعب.

إلا أن محصلة هذا الوضع بقدر ما تعطي الأكثرية هامشا أكبر للحراك، فإنه يثقلها بمسؤوليات وتحديات. فقد تسعى قوى «8 آذار» إلى رفع سقف التحدي وكذلك إيران، ولا بد للأكثرية أن تواجه التحديات والمسؤوليات وعوامل القوة بميزان يسمح لها بالوصول إلى حالة استقرار. كذلك على الطرف الآخر أن يواجه التحديات والمسؤوليات بموازين قوة لا علاقة لها بفائض القوى، إنما بالحضور السياسي، لأن هناك شعورا أن فائض القوة انعكس سلبا.

وفي حين يبدو أن طرح قوى «8 آذار» لمعادلة الأكثرية الشعبية مقابل الأكثرية السياسية وكأنه يضع نقطة مقابل نقطة، يجب التنبه إلى استخدام هذه المعادلة بشكل مفرط سيؤدي إلى أن يعاد النظر في قانون الانتخابات الذي يظلم الطوائف الكبرى ويجعل تمثيلها أقل من حجمها، ما يؤدّي إلى طرح المثالثة التي تحل مشكلة هذه الطوائف الكبرى. وبالتالي فإن الاستمرار بطرح هذه النقطة ليس مفيدا وإن كان حتى الآن يُستخدم للإشباع الشعبي ليبقى في هذا الإطار أفضل من استخدام القوة.

أما إذا تطور استخدام مقولة «الأكثرية الشعبية» فإن لبنان سيَعْلق في مأزق ولن يكفي فوز الأكثرية بالنقاط لحسم المعركة، ليبقى في دائرة تحسين شروط المعركة. هذه الشروط تقتضي عدم إجراء انتخابات رئاسة المجلس بالمبايعة، إنما إخضاعها للانتخابات حتى يكون الأمر انتخابا وليس مبايعة، ليتم صرف التقدم بالنقاط بطريقة ما. كذلك هناك عدم القبول بالثلث المعطل في الحكومة المقبلة. فالمطلوب العمل لصرف التقدم بالنقاط من دون إلغاء الطرف الآخر وإنما تظهير نتائج الانتخابات.

في المقابل، على قوى «8 آذار» أن تقبل وتعترف عمليا بنتيجة الانتخابات، وإلا فهي مقبلة على الانقلاب مرة جديدة. رفض النتيجة والمطالبة بحكومة مع ثلث معطل أو الإصرار على أنه لا حكومة من دون مشاركة فريق «8 آذار» بثلث معطل قد تترجم بالعودة إلى «7 أيار» (أحداث 7 مايو 2008 واجتياح بيروت). هنا ربما يجب إقرار مادة «7 أيار» في الدستور اللبناني حتى يرضى الفريق الآخر.

المطلوب لاستقرار لبنان بعد كل ما عبره وصولا إلى نتائج الانتخابات النيابية، يتبلور في الإدارة الحكيمة والسليمة والانسجام مع الواقع الإقليمي الذي يشهد انفتاحا سعوديا استثنائيا على سورية، وفي إدراك حساسية الوضع الإيراني. كما يفرض على فريق «8 آذار» أن يتواضع ويعود إلى الأرض. كذلك يفرض على «14 آذار» مراعاة الانفتاح السعودي وحساسية الوضع الإيراني بغية الوصول إلى تسوية تنتج رئيس مجلس بالانتخابات الطبيعية وليس بالمبايعة، وولادة حكومة من دون الثلث المعطل، إنما مع مشاركة من دون تعطيل، والأهم ترك الثلث الضامن لرئيس الجمهورية لتحويله من حكم إلى حاكم لأنه المؤتمن على الدستور، والوصول إلى بيان وزاري توافقي لا يؤدي إلى قضم حقوق الدولة ويراعي الحساسيات السياسية والطائفية التي تضمن مراعاتها حماية صيغة العيش المشترك في لبنان.

* نائب في البرلمان اللبناني