من الإيحاء بالجنون إلى الإيحاء بالغرق!

TT

تردد الصحافة هذه الأيام مصطلح أسلوب الإيحاء بالغرق، وهو أحد الأساليب القاسية التي سمحت باستخدامها الإدارة الأميركية السابقة لانتزاع اعترافات بعض المتهمين، ويقال إن المتهم خالد شيخ محمد تعرض لهذا الأسلوب عددا من المرات أثناء التحقيق لكي يعترف بمسؤوليته في حادثة 11 سبتمبر الأليمة، والإيحاء بالغرق يشبه الإيحاء بالجنون، فكلاهما يستخدم معطيات علم النفس لخداع المتهم، ودفعه إلى الاعتراف بكل ما لديه، وأول من استخدم أسلوب الإيحاء بالغرق ضابط ياباني اسمه يوكيو أسانو خلال الحرب الثانية، وجرت محاكمة ذلك الضابط بعد ذلك كمجرم حرب، وحكم عليه في عام 1947 بالسجن 15 سنة، وطور الأميركان لاحقا ذلك الأسلوب، وإن ظل يرتكز على نفس الفكرة الأساسية التي تتمثل في إحداث بعض الخدع النفسية التي تجعل المحقق معه يشعر أنه يغرق، ويتسبب ذلك في إحداث قدر كبير من الأذى للشخص الذي يتعرض له، الأمر الذي جعل منظمات حقوق الإنسان تطالب بتحريمه وتجريم مستخدميه.

ومن أساليب الإيحاء بالجنون ما مارسته إسرائيل أثناء تحقيقها مع الفلسطينية تيريز هلسة، التي قامت في عام 1972مع ثلاثة آخرين باختطاف طائرة بلجيكية، والهبوط بها في مطار اللد الإسرائيلي للمطالبة بالإفراج عن مائة أسير فلسطيني، لينتهي الأمر بمقتل اثنين من المجموعة الخاطفة واعتقالها مع زميلتها ريما طانوس، واستعمل معها أثناء التحقيق أسلوب الخداع النفسي، المتمثل في الإيحاء بالجنون على نحو الإيحاء بالغرق، وروت تيريز لإحدى المجلات العربية كيف كان المحققون الإسرائيليون يسلطون عليها مصابيح كهربائية ساطعة طوال الليل والنهار، ثم يأتون للتحقيق معها لمدة نصف ساعة، يدعون بعدها أنهم قد شعروا بالتعب والإرهاق لأنهم يجلسون معها منذ الصباح، ويخرجون، ويتركونها لتنام، وعندما تبدأ في النوم يدخلون عليها ثانية في ملابس جديدة، ويدعون بأنه صباح يوم جديد، وتروي أنها نجت من توهم الجنون بأعجوبة من خلال قطعة خبز صغيرة، فلكي تتأكد من صحة كلامهم بتغير الأيام قامت بأخذ قطعة خبز من الطعام الذي يحضرونه لها في الصباح ووضعتها على الطاولة في زنزانتها، فكانوا في كل مرة يعودون تلمس بيدها قطعة الخبز فإذا وجدتها قد جفت تشعر بالفعل أنه قد مر يوم، وإذا لم يحدث تدرك كذبهم، وبفضل قطعة الخبز الصغيرة هذه اكتشفت الحيلة، فعندما جاءوا إليها ليقولوا لها صباح الخير إنه يوم جديد، تحسست بكفها قطعة الخبز ووجدتها طرية، فجارتهم في لعبة الوهم وهي تقول: «صباح الخير»، وسألوها: «هل نمت ليلتك جيدا؟» فقالت: «نعم على ما يرام»، انهار المحققون حينما أدركوا أنها توصلت لحل اللغز وسر اللعبة.

باختصار: الإيحاء بالجنون أو الإيحاء بالغرق لا يمثل سوى الجزء الطافي من أساليب التحقيق غير القانونية على سطح الأخبار، ولعل ما خفي من أساليب في سجون العالم أقسى، وأدهى، وأمر.

[email protected]